! < فاعتبروا يا أولي الأبصار > ! 2 والاعتبار رد الشيء إلى نظيره فالعبرة هو البيان قال الله تعالى ! < إن كنتم للرؤيا تعبرون > ! 43 والبيان يرد الشيء إلى نظيره فإن أشكل عليه شاور رهطا من أهل الفقه فيه وكذلك إن لم يكن من أهل الاجتهاد فعليه أن يشاور الفقهاء لأنه يحتاج إلى معرفة الحكم ليقضي به وقد عجز عن إدراكه بنفسه فليرجع إلى من يعرف ذلك كما إذا احتاج معرفة قيمة شيء فإن اختلفوا فيه نظر إلى أحسن أقاويلهم وأشبهها بالحق فأخذ به كما بينا عند اختلاف الصحابة رضوان الله عليهم إلا أن هنا إن رأي خلاف رأيهم .
فإن استحسن وأشبه الحق قضي بذلك لأن إجماعهم لا ينعقد بدون رأيه وهو واحد منهم ولأن رأيه أقوى في حقه من رأي غيره فلو قضى برأيه كان قاضيا بما هو الصواب عنده وإذا قضي برأى غيره كان قاضيا بما عنده أنه خطأ وقضاؤه بما عنده إنه هو الصواب أولى .
وإن لم يكن من أهل اجتهاد الرأي ليختار بعض الأقاويل نظر إلى أفقههم عنده وأورعهم فقضي بفتواه فهذا اجتهاد مثله ولا يعجل بالحكم إذا لم يبين له الأمر حتى يتفكر فيه ويشاور أهل الفقه لأنه مأمور بالقضاء بالحق ولا يستدرك ذلك إلا بالتأمل والمشورة وقال التأني من الله والعجلة من الشيطان .
والأصل في الباب حديث الشعبي رضي الله عنه قال كانت القضية ترفع إلى عمر رضي الله عنه وربما يتأمل في ذلك شهرا ويستشير أصحابه واليوم يفصل في المجلس ما به قضية وحديث بن مسعود رضي الله عنه في المفوضة معروف فإنه ردهم شهرا ثم قال أقول فيه برأيي فإن يك صوابا فمن الله ورسوله وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان الحديث فعرفنا أنه ينبغي للقاضي أن يتأنى ويشاور عند اشتباه الأمر وإذا قضى بقضاء ثم بدا له أن يرجع عنه فإن كان الذي قضى به خطأ لا يختلف فيه رده وأبطله يعنى إذا كان مخالفا لنص أو لإجماع فالقضاء بخلاف النص والإجماع باطل وهو جهل من القاضي وفي الحديث ردوا الجهالات إلى السنة .
فإن كان خطأ مما يختلف فيه أمضاه على حاله وقضي فيما يستقبل بالذي أدى إليه اجتهاده ويرى أنه أفضل لأن القضاء الأول حصل في موضع الاجتهاد فنفذ ولزم على وجه لا يجوز إبطاله .
والأصل فيه ما روى أن عمر رضي الله عنه كان يقضي في حادثة بقضية ثم ترفع إليه تلك الحادثة فيقضي بخلافها فكان إذا قيل له في ذلك قال تلك كما قضينا وهذه كما يقضي وقال الشعبي رحمه الله حفظت من عمر رضي الله عنه في الحد سبعين قضية لا يشبه بعضها بعضا وبهذا يتبين أن الاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله ولكنه فيما يستقبل يقضي بما أدى إليه اجتهاده وأصله في التحرى للقبلة وذكر عن شريح