ما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك يعنى من الميل بالقلب إلى عائشة رضي الله عنها ولا ينبغي أن يرفع صوته على أحدهما ما لا يرفعه على الآخر لأن التسوية بينهما في ذلك ممكنة وتخصيص أحدهما برفع الصوت عليه تجر تهمة إليه وهو مكسر القلب من يرفع صوته عليه .
( ولا ينطلق بوجهه إلى أحدهما في شيء من المنطق ما لا يفعله بالآخر ) لأنه يزداد به قوة وجراءة على الخصم ويطمع أن يميل بالرشوة إليه .
( ولا ينبغي له أن يشد على عضد أحدهما ولا يلقنه حجته ) فإن ذلك نوع من الخصومة وبين كونه قاضيا وخصما منافاة وهو مكسر لقلب الخصم وسبب لجر تهمة الميل إليه وهو إنشاء الخصومة وإنما جلس لفصل الخصومة لا لإنشائها .
( وينبغي له أن لا يشتري شيئا ولا يبتع في مجلس القضاء لنفسه ) لأنه جلس للقضاء فلا يخلط به ما ليس من القضاء ومعاملته لنفسه في شيء ولأن الإنسان فيما يبيع ويشتري يماكس عادة وذلك يذهب حشمة مجلس القضاء ويضع من جاهه بين الناس .
وفي قوله ( لنفسه ) إشارة إلى أنه لا بأس بأن يفعل ذلك في مجلس القضاء ليتيم أو ميت مديون فإن ذلك من عمل القضاة وإنما جلس لأجله ومباشرة ذلك في مجلس القضاء يكون أبعد عن التهمة منه إذا باشره في غير مجلس القضاء .
( ولا بأس بأن يبيع ويشتري لنفسه في غير مجلس القضاء عندنا ) ومن العلماء رحمهم الله من كره ذلك للقاضي ويروون في ذلك حديثا أن النبي قال لا يبيع القاضي ولا يبتاع ولأن العادة أن الناس يسامحون في المعاملة مع القضاء بين أيديهم خوفا منهم أو طمعا فيهم فيكون من هذا الوجه في معنى من يأكل بدينه والمقصود يحصل إذا فوض ذلك إلى غيره ليباشر على وجه لا يعلم أنه يباشر .
ولكنا نقول نستدل بما روي أن النبي اشترى سراويل بدرهمين الحديث فقد باشر رسول الله الشراء لنفسه وكان رؤساء القضاء والخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم كانوا يباشرون ذلك بأنفسهم حتى أن أبا بكر رضي الله عنه بعد ما استخلف حمل متاعا من متاع أهله إلى السوق ليبيعه ولأنه بعد تقلد القضاء يحتاج لنفسه وعياله إلى ما كان محتاجا إليه قبل التقلد وبأن تقلد هذه الأمانة لا يمتنع عليه معنى النظر لنفسه والقيام بمصالح عياله وتهمة المساحة موهومة أو هو نادر فلا يمتنع عليه التصرف لأجله ولأن ذلك إذا لم تكن مباشرة هذا التصرف من عادة القاضي في كل وقت .
فأما إذا كان ذلك من عادته فقلما يسامح في ذلك فوق ما يسامح به غيره .
وتأويل النهي إن صح في مجلس القضاء ولا يسار أحد الخصمين بشيء لأن ذلك يجر إليه تهمة الميل وينكسر بسببه قلب الآخر