أولى أن يكون محمودا والذي ينفق ماله في طاعة الله تعالى يكتسب الآخرة بدنياه والذي يعلم ويقضي به بالحق يكتسب المحمدة في الدنيا والثواب في الآخرة فمن يتمنى لنفسه مثل ذلك يكون محمودا على هذا المعنى فأما الحسد المذموم فهو ما قيل الحاسد جاحد لقضاء الواحد فهو أن يتكلف لذهاب ذلك عنه ويعتقد أن تلك نعمة في غير موضعها وإليه أشار رسول الله في قوله لا ينجو أحدكم من الحسد والظن والطيرة قيل وما المخلص من ذلك فقال إذا حسدت فلا تبغ أي لا تتكلف لإزالة النعمة عن المنعم عليه وإذا ظننت فلا تحقق وإذا نظرت فلا ترجع .
وعن سوار بن سعيد قال شهدت أنا ورجل عند شريح رحمه الله بشهادة ففيه صاحبي عن حجته أي عجز عن إظهار حجة وغفل عن ذلك فقلت له أتفسد شهادتي إن أعربت عنه فقال لا فأعربت عنه فقضي له وإنما قال هذا لأن من يكون خصما في حادثة لا تقبل شهادته في تلك الحادثة فخاف إن أظهر حجته صاحبه أن يجعله خصما ويفسد شهادته فبين له شريح رحمه الله أنه لا يصير خصما بهذا القدر إذا لم يوكله صاحبه به بل هو متبرع فيما يظهر من حجة صاحبه وليس فيه أكثر من أن يعين المدعي وما حضر مجلس القاضي إلا لتعيين المدعي وتوصله إلى حقه فلا يفسد به شهادته .
وعن سوار قال اختصم قوم عند شريح رحمه الله فذكرت له ذلك فقال ما رآه فهم وسأذكر ذلك له الليلة فذكر ذلك له فقال ما فهمت فمرهم أن يرجعوا لي فرجعوا إليه فقضي لهم .
وفيه دليل على أنه ينبغي لمن وقف على خطأ القاضي في قضائه أن ينبهه ولا يجاهره بذلك مراعاة لحشمته ولكنه يأمر أقرب الناس منه ليخبره بذلك في حال خلوته .
وفيه دليل أن القاضي إذا تبين له خطأ في قضائه ينبغي له أن يظهر رجوعه عن ذلك ولا يمنعه الاستيحاء عن الناس من ذلك ولا الخوف فالله تعالى يحفظه من الناس والناس لا يحفظونه من عذاب الله تعالى .
وعن مكحول قال لأن أكون قاضيا أحب إلي من أن أكون خازنا يعنى أن خازن بيت المال عامل للمسلمين والقاضي كذلك إلا أن الخازن يحفظ على المسلمين مالهم والقاضي يحفظ عليهم دينهم وتمكن الخازن من المال خوف الفتنة على نفسه بسببه أكثر من تمكن القاضي فلهذا آثر القضاء وقد بينا أن المتقدمين فيه من كان يؤثر تقلد القضاء على الامتناع منه .
وعن شريح رحمه الله قال ما شددت على لهواة خصم أي ما منعته من إظهار حجته وما قويت أحد الخصمين على الآخر بتلقين شيء قط ولهذا بقي في القضاء مدة طويلة .
وعن علي رضي الله عنه أنه أضاف رجلا فلما مكث أياما