من وجه وبين كونه عاملا لنفسه وبين كونه عاملا لغيره منافاة والأجير من يكون عاملا لغيره وفيما يكون عاملا لنفسه لا يصلح أن يكون أجيرا بخلاف البيت والدابة فالعقد هناك يرد على المنفعة والبدل بمقابلتها ولا شركة له في ذلك .
( ألا ترى ) أنه لا يتعين عليه حفظ الطعام المشترك في البيت ولو سلم البيت إليه في المدة استوجب الأجر وإن لم يحفظ فيه شيئا بخلاف ما نحن فيه فالعقد هنا يرد على العمل في المشترك حتى لا يستوجب الأجر بدون العمل ولا يعمله في محل آخر ثم هنا وإن أقام العمل فلا أجر له بخلاف مذهب أبي حنيفة رحمه الله في إجارة المشاع فإن هناك باستيفاء المنفعة يجب أجر المثل وإن كان العقد فاسدا لأن فساد العقد هناك للعجز عن استيفاء المعقود عليه على الوجه الذي أوجبه العقد لا لانعدام الاستيفاء أصلا فإذا تحقق استيفاء المعقود عليه وجب الأجر وهنا بطلان العقد لتعذر استيفاء المعقود عليه أصلا من حيث أنه في المحل المشترك عامل لنفسه وهو في العمل الواحد لا يكون عاملا لنفسه ولغيره في حالة واحدة وبدون الاستيفاء لا يجب الأجر في العقد الفاسد .
وعلى هذا نسج الغزل ورعي الغنم التي تكون بينهما فكل من يستوجب الأجر بالعمل فهو داخل في هذا الخلاف ولو استأجر رحا ماء على أنه إن انقطع الماء عنها فالأجر عليه لم يجز لأن هذا الشرط مخالف موجب العقد فهو فاسد مفسد للعقد لأن موجب العقد أن لا يجب الأجر إلا بالتمكن من استيفاء المعقود عليه وكل شرط يخالف موجب العقد مفسد للعقد ولأن عقد الإجارة لا يتناول وقت انقطاع الماء حتى لا يجب الأجر فيه وإن لم يفسخ فكأنه جعل جميع المسمى بمقابلة منفعة الرحا في وقت جريان الماء ولا يدري في كم يكون الماء جاريا وجهالة المنع تمنع صحة الإجارة .
ولو استأجر كتبا ليقرأ فيها شعرا أو فقها أو غير ذلك لم يجز لأن المعقود عليه فعل القارئ والنظر في الكتاب والتأمل فيه ليفهم المكتوب فعله أيضا فلا يجوز أن يجب عليه أجر بمقابلة فعله ولأن فهم ما في الكتاب ليس في وسع صاحب الكتاب ولا يحصل ذلك بالكتاب ولكن لمعنى في الباطن من حدة الخاطر ونحو ذلك وكأن صاحب الكتاب يوجب له مالا يقدر على إيفائه فليس في عين الكتاب منفعة مقصودة ليوجب الأجر بمقابلة ذلك فكان العقد باطلا سمى المدة أو لم يسم ولا أجر له وإن قرأ .
وكذلك إجارة المصحف والكلام فيه أبين فإن قراءة القرآن من المصحف والنظر فيه طاعة وكان هذا كله نظيره ما لو استأجر كرما ليفتح له بابه فينظر فيه للاستيفاء من غير أن يدخله أو استأجر مليحا لينظر إلى وجهه فيستأنس بذلك أو استأجر جبا مملوأ من