كان في لفظه هنا ما يدل على الشرط بأن يقول فاقطعه أو اقطعه إذا فهو ضامن إذا لم يكفه لأن الفاء للوصل فبذكره تبين أنه شارط للكفاية في الإذن وقوله إذا إشارة إلى ما سبق فكأنه قال اقطعه إذا كان يكفيني لأن هذا شرط إلا أنه أوجز كلامه ولو سلم ثوبا إلى خياط فقطعه له قباء فقال بطنه من عندك واحشه على أن لك من الأجر كذا وكذا فهو مثل الخف الذي أمره أن يبطنه وينعله في القياس ولكن لا أجيز هذا استحسانا لأن ذلك مستحسن في القياس بالتعامل وهذا لا تعامل فيه فيستحسن العود إلى أصل القياس فيه ويقال إنه مشتري لمعدوم أو لمجهول فلا يجوز ولأن هذا ليس في معنى ذلك لأن الخف بدون النعل والبطانة يسمى خفا ولكن بالنعل والبطانة يصير أحكم فما شرط عليه يمكن أن يجعل تبعا للعمل فأما القباء والجبة لا تكون بدون البطانة والحشو وإذا كان ما التمس منه لا ينطلق عليه الاسم إلا بما شرط عليه لم يكن ذلك تبعا للعمل وإنما هو استصناع لا تعامل فيه فلا يجوز ذلك .
فإن أتاه بالقباء مبطنا محشوا فللخياط قيمة بطانته وحشوه وأجر خياطته ولا تجاوز به ما سمى له في أجر خياطته خاصة لأنه استوفى منافعه بحكم عقد فاسد فكذلك استوفى غير ملكه بحكم عقد فاسد وتعذر عليه رده فيلزمه قيمة المشتري بالغا ما بلغ وأجر مثل عمله لا يجاوز به ما سمى له .
وبهذا اللفظ يستدل بعض أصحابنا رحمهم الله ممن يقول في الفصول المتقدمة أن قوله لا يجاوز به ما سمى له من الأجر خاصة دون قيمة ما زاد فيه والأصح هو الفرق لأن الحشو والبطانة هنا لم تكن في العقد تبعا في العمل ولذلك فسد العقد في الأصل وإذا وجب اعتبارهما مقصودا بقيمتها بالغة ما بلغت وفيما سبق النعل والبطانة في الخف والحشو والبطانة في القلنسوة جعل تبعا للعمل في العقد ولذلك جاز العقد فكما أن في أصل العمل لا يجاوز بالبدل ما سمى له فكذلك فيما هو تبع له .
ولو أعطاه ثوبا وبطانة وقطنا وأمره أن يقطعه جبة ويحشوها ويندف القطن عليها وسمى الأجر له فهو جائز لأنه استأجره لعمل معلوم ببدل معلوم .
ولو شرط على خياط أن يقطع له عشر قمص كل قميص بدرهم ولم يسم له قدرها وجنسها لم يجز لجهالة المعقود عليه من العمل فعمل الخياط يختلف باختلاف جنس الثياب وباختلاف القميص في الطول والقصر .
ولو قال الثياب هروية ومقداره على هذا الشيء معروف فهو جائز لأن مقدار العمل بما سمى يصير معلوما على وجه لا يبقى بينهما منازعة .
ولو دفع إليه ثوبا ليقطعه قميصا واشتراط عليه إن خاطه اليوم فله درهم