لأن الدين لا يتعين إلا بقبض مال عين وذلك لا يحصل بالقبض بالذمة فلا يخرج به من أن يكون دينا بدين فيكون هذا افتراقا عن دين بدين وإن أقرضه ألف درهم فأخذ بها كفيلا ثم صالح الكفيل الطالب على عشرة دنانير وقبضها جاز لأن الكفيل قائم مقام الأصل ويثبت في ذمته ما هو في ذمة الأصيل وصلحه مع الأصيل جائز على الدنانير بشرط القبض في المجلس فكذلك مع الكفيل ثم الكفيل يرجع على الأصيل بالدراهم لأنه بالصلح ملك ما في ذمته ولو ملكه بالأداء أو بالهبة رجع به على الأصل فكذلك إذا ملكه بالصلح ولو صالحه على مائة درهم لم يرجع على المكفول عنه إلا بمائة درهم لأن الطالب هنا يتبرأ عما زاد على مائة والكفيل لا يتملك المكفول به بالإبراء فلا يرجع إلا بقدر ما أدى والطالب له أن يرجع بتسعمائة على المكفول عنه ( قال الشيخ الإمام الأجل أبو بكر محمد بن الفضل ) لم يذكر فضل رجوع الطالب على المطلوب هنا وإنما ذكره في موضع آخر .
ووجه ذلك أن الصلح مع الكفيل على مائة درهم بمنزلة إبراء الطالب عن الباقي وبراءة الكفيل لا توجب براءة الأصيل فكان للطالب أن يرجع بالتسعمائة الباقية لهذا بخلاف الأول ففي الصلح هناك معنى المبادلة لاختلاف الجنس فيصير به متملكا جميع الألف ولا مبادلة هنا فإن مبادلة المائة بالألف ربا قال ولو أن المكفول عنه صالح الكفيل قبل أن يؤدي الكفيل المال إلى الطالب على عشرة دنانير ودفعها إليه كان جائزا لأن بالكفالة كما وجب المال للطالب على الكفيل وجب للكفيل على الأصيل ولكنه مؤجل إلى أن يؤدى والصلح عن الدراهم المؤجلة على دنانير صحيح بشرط القبض في المجلس فإن أدى المكفول عنه الدراهم بعد ذلك رجع به على الكفيل إلا أن يشاء الكفيل أن يرد الدنانير التي أخذ لأنه إنما أعطاه ليسقط مطالبة الطالب عنه ولم تسقط فله أن يرجع به عليه كما لو أعطاه جنس المال ثم الكفيل صار مستوفيا منه الدراهم بطريق الصلح ومبنى الصلح على الأغماض والتجوز بدون الحق فإذا من لزمه الرد تخير بين أن يرد المقبوض بعينه وبين أن يرد ما صار مستوفيا بالمقاصة من الدراهم ولو كان صالحه على مائة درهم لم يرجع عليه إلا بها لأن ما زاد على المائة الكفيل مبرئ للأصيل وفي المائة مستوف فلا يلزمه إلا رد ما استوفى وإذا أقرض الرجل الرجل ألف درهم وقبضها منه وأمره أن يصرفها له فصرفها له بالدنانير فلا يجوز على الطالب لأنه لا دين عليه فإن رضى الطالب أن يأخذ الدنانير ففعل ذلك فهو جائز كما لو استبدل معه دراهم القرض بالدنانير هكذا