ألا ترى أن البيع يستدعي محلا هو مال متقوم كالشراء فنفوذ بيعه دليل على أنه مال متقوم في حقه وفي تصحيح البيع إظهار سلطان مالكيته ولم يكن في عينه من معنى الاستذلال شيء حتى يؤمر به شرعا فكذلك في تصحيح الشراء إثبات سلطان الملكية ولا يكون في عينه من معنى الإذلال شيء وبهذا يتبين أن النهي ليس لمعنى في عين الشراء بل لمعنى في قصده وهو الاستخدام قهرا بملك اليمين ولا يمنع صحة الشراء كالنهي عن الشراء وقت النداء ولهذا ندب الولد إلى شراء أبيه مع أنه ممنوع من إذلاله لأنه لا يقصد بشرائه الاستخدام ولو كان إثبات الملك بطريق الشراء عينه إذلالا لكان القريب ممنوعا عنه في قريبه لأن كل طاعة لا تصل إليها إلا بمعصية لا يجوز الإقدام عليها ثم تحقيق هذا الكلام أن بالشراء لا تتبدل صفة المحل لأنه كان مملوكا قبل شرائه وبقى مملوكا بعد شرائه وإنما تتحول الإضافة من المسلم إلى الكافر وهي إضافة مشروعة ألا ترى أنه يرث الكافر العبد المسلم وبالإرث تتجدد الإضافة في حق الوارث .
ولكن لا يتبدل وصف المحل فلا يكون عينه إذلالا بخلاف الاسترقاق فيه تتبدل صفة المحل فيصير مملوكا بعد أن كان مالكا والمملوكية إذا قوبلت بالملكية كانت المملوكية في غاية الذل والهوان وهذا غير مشروع للكافر على المسلم وكذلك النكاح لأن بعقد النكاح يتجدد ثبوت المملوكية في المحل وكان ينبغي أن لا يثبت للمسلم على المسلمة إلا أنه لضرورة الحاجة إلى قضاء الشهوة وإقامة النسل أثبت الشرع ذلك للمسلم على المسلمة فيبقى في حق الكافر إذلالا فلا يكون مشروعا للكافر على المسلمة ألا ترى أن ملك النكاح يبقى للكافر على المسلمة لأنه ليس في إبقاء الملك تبديل صفة المحل فصار الشراء هنا في معنى الإذلال بمنزلة البقاء في ملك النكاح ويوضحه أن المحلية للنكاح باعتبار صفة المحل ولهذا لا يجوز للمسلم نكاح المجوسية والمرتدة والأخت من الرضاعة والمسلمة ليست بمتحللة في حق الكافر فلانعدام المحل لا ينعقد النكاح ولكن يبقى لأن فوات المحل عارض على شرف الزوال فيمنع ابتداء النكاح ولا يمنع البقاء كالفوات بسبب العدة وكذلك القبض الذي يتم به العقد ليس فيه معنى الإذلال لأن ذلك يحصل بالتخلية وليس هذا نظير المحرم يشتري صيدا لأن الصيد في حق المحرم محرم العين قال الله تعالى ! < وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما > ! فلم يكن مالا متقوما كالخمر في حق المسلم ولهذا لا يجوز بيعه