المتبايعان وترادا ولا يمنعا من الاستدلال لظاهر هذا الحديث الآخر من ظاهر قوله والسلعة قائمة بعينها لأن ذلك مذكور على سبيل التثنية أي تحالفا وإن كانت السلعة قائمة لأن عند ذلك يتأتى تميز الصادق من الكاذب بتحكيم قيمة السلعة في الحال ولا يتأتى ذلك بعد هلاك السلعة فإذا كان تحري التحالف مع إمكان تميز الصادق من الكاذب فعند عدم الإمكان أولى ولأن التحالف عند قيام السلعة إنما يصار إليه لأن كل واحد منهما يدعي عقدا ينكره صاحبه فالبيع بألف غير البيع بألفين ألا ترى أن شاهدي البيع إذا اختلفا في مقدار الثمن لا تقبل الشهادة والدليل عليه أنه لو انفرد كل واحد منهما بإقامة البينة وجب قبول بينته فعرفنا أن كل واحد منهما يدعي عقدا ينكره صاحبه فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه وهذا المعنى عند هلاك السلعة متحقق فصار كما لو ادعى أحدهما البيع والآخر الهبة أو كان البيع مقابضة وهلك أحد البدلين ثم اختلفا أو قبل المبيع قبل القبض ثم اختلفا في الثمن فإنهما يتحالفان ثم إذا حلفا فقد انتفى كل واحد من الثمنين بيمين المنكر منهما فيبقى البيع بلا ثمن والبيع بغير ثمن يكون فاسدا والمقبوض بحكم عقد فاسد يجب رد عينه في حال قيامه ورد قيمته بعد هلاكه .
وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى استدلا بقوله صلى الله عليه وسلم البينة على من ادعى واليمين على من أنكر والبائع هو المدعي والمشتري منكر فكان القول قوله مع اليمين فأما المشتري لا يدعي لنفسه شيئا على البائع لأن المبيع مملوك له مسلم إليه باتفاقهما وهذا هو القياس حال قيام السلعة أيضا ولكنا تركناه بالنص وهو قوله صلى الله عليه وسلم إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا وقوله والسلعة قائمة مذكور على وجه الشرط لا على وجه البينة لأن قوله إذا اختلفا المتبايعان شرط وقوله والسلعة قائمة بعينها معطوف على الشرط فكان شرطا لأن موجب الاشتراط والمخصوص من القياس بالسنة لا يلحق به إلا ما كان في معناه وحال هلاك السلعة ليس في معنى حال قيام السلعة لأن عند قيام السلعة يندفع الضرر عن كل واحد منهما بالتحالف فإنه ينفسخ العقد فيعود إلى كل واحد منهما رأس ماله بعينه وبعد هلاك السلعة لا يحصل ذلك فالعقد بعد هلاك السلعة لا يحتمل الفسخ .
ألا ترى أنه لا ينفسخ بالإقالة والرد بالعيب فكذلك بالتحالف وهذا لأن الفسخ لا يراد إلا على ما ورد عليه العقد والمعقود عليه فات لا إلى بدل فإن القيمة قبل الفسخ لا تكون واجبة على المشتري والفسخ على غير محله لا يتأتى بخلاف بيع المقابضة فإن أحد العوضين هناك قائم وهو معقود عليه ولهذا جاز