المعنى فساد البيع عند عدم المماثلة التي هي واجبة وإذا ثبت أن الحكم وجوب المماثلة ولا يتصور ثبوت الحكم بدون محله عرفنا أن المحل الذي لا يقبل المماثلة لا يكون مال الربا أصلا والحفنة والتفاحة لا تقبل المماثلة بالاتفاق فلم يكن مال الربا والدليل عليه أن صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم ما نص على حكم الربا إلا مقرونا بالمخلص فكل علة توجب الحكم في محل لا يقبل المخلص أصلا فهي علة باطلة والطعم بهذه الصفة فإنها توجب الحكم في الرمان والسفرجل ولا يتصور فيه المخلص وكذلك قوله لا تبيعوا البر بالبر إلا سواء بسواء كلام مقيد بالاستثناء والمستثنى من جنس المستثنى منه لأن الاستثناء لا خراج ما لولاه لكان الكلام متنا ولا له وإن كان المستثنى الكثير القابل للماثلة لا يتناوله الحديث أصلا .
فإن قال هو استثناء مقطوع بمعنى لكن أي جعلتموه سواء بسواء فبيعوا أحدهما بالآخر .
قلنا هذا مجاز ولا يترك العمل بالحقيقة إلا عند قيام الدليل وباعتبار الحقيقة يتبين أن حكم النص وجوب المماثلة فيما يختص بمحل قابل للمماثلة والدليل عليه أنه لو باع قفيز حنطة يملكه بقفيز حنطة أرخوة أو قد أكلها السوس يجوز وقد تيقنا بفضل في الذات ومع ذلك جاز العقد لوجود المماثلة في القدر .
فإن قال سقط اعتبار الفضل القائم في الذات لوجود المساواة في القدر .
قلنا هذا جائز ولكن عند قيام الدليل فإذا أمكن أن يجعل الحكم في الذات وجوب المماثلة والفضل الذي هو ربا بعد تلك المماثلة فلا حاجة بنا إلى إسقاط ما هو موجود حقيقة خصوصا فيما إذا بنى أمره على الاحتياط وهو الربا والذي قال إن الاسم غير عما عليه مقتضى اللغة ممنوع فإنه دعوى المجاز أيضا فلا يمكن إثباته أيضا إلا بدليل .
فأما حديث عمر رضي الله عنه فله تأويلان ( أحدهما ) أن المراد بقوله وإن من الربا أبوابا لا يكدن يخفين على أحد منها السلم في السن ما كانوا اعتادوا في الجاهلية أن الواحد منهم يسلم في ابنة مخاض فإذا حل الأجل زاده في السن وجعله ابنة لبون ليزيده في الأجل ثم يزيده إلى سن الحقة والجذعة وفي ذلك نزل قوله تعالى ! < لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة > ! 130 فتلك الزيادة خالية عن عوض هو مال ولهذا قال إنه من الربا الذي لا يكاد يخفى على أحد .
( والثاني ) أن المراد السلم في الحيوان والحيوان مما يتفاوت والمسلم فيه دين فإنما يصير معلوما بذكر الوصف ورأس المال بمقابلة الأوصاف المذكورة عند العقد ثم عند القبض يتمكن التفاوت في المالية بين المقبوض والموصوف عند العقد لا محالة فتلك الزيادة كأنها خالية عن عوض هو مال ولهذا جعل