الزبير عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أمسكوا عليكم أموالكم لا تعمروها فمن أعمر عمري فهي للمعمر له ولورثته بعده .
وروى سلمة عن جابر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالعمري للمعمر له ولعقبه بعده وقال عليه الصلاة والسلام من أعمر عمري قطع قوله حقه يعني قطع قوله وهبت لك عمرك حقه في الرجوع بعد موته .
والمعنى فيه أنه ملكه في الحال والوارث يخلفه في ملكه بعد موته فشرط الرجوع إليه بعد الموت فاسد والهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة .
( قال ) ( وكذلك لو قال نحلتك هذا الثوب أو أعطيتك هذا الثوب عطية فهذه عبارات عن تمليك العين بطريق التبرع وذلك يكون هبة ) وكذلك لو قال قد كسوتك هذا الثوب فإن هذا اللفظ لتمليك العين بدليل قوله تعالى ! < أو كسوتهم > ! فالكفارة لا تتأدى إلا بتمليك الثوب من المسكين ويقال في العرف كسا الأمير فلانا أي ملكه .
وإن قال حملتك على هذه الدابة كانت عارية لأن الحمل على الدابة إركاب وهو تصرف في منافعها لا في عينها فتكون عارية إلا أن يقول صاحب الدابة أردت الهبة لأن هذا اللفظ قد يذكر للتمليك يقال حمل الأمير فلانا على فرسه أي ملكه فإذا نوى ما يحتمله لفظه وفيه تشديد عليه عملت نيته .
وكذلك لو قال قد أخدمتك هذه الجارية فهي عارية لأن معناه مكنتك من أن تستخدمها وذلك تصرف في منافعها لا في عينها .
وإن قال قد منحتك هذه الجارية أو هذه الأرض فهي عارية لأن المنحة بدل المنفعة بغير بدل قال صلى الله عليه وسلم المنحة مردودة والعارية مؤداة فيكون معنى كلامه جعلت لك منفعة هذه العين وهو نفس العارية .
فإن قال قد أطعمتك هذه الأرض فإنما أطعمه غلتها والرقبي لصاحبها لأن عينها لا تطعم فمعناه أطعمتك ما يحصل منها فيكون تمليكا لمنفعة الأرض دون عينها وله أن يأخذها متى شاء يعني إذا كانت فارغة فأما بعد الزراعة إذا أراد أن يستردها .
فإن رضي المستعير بأن يقلع زرعها ويردها فله ذلك وإن أبى تركت في يده بأجرة مثلها إلى وقت إدراك الغلة لأنه محق في زراعتهما غير متعد فلا بد من مراعاة حقه بخلاف الغاصب وإنما يعتدل النظر من الجانبين بأن تترك في يده بأجر إلى إدراك الغلة .
وإن قال قد أطعمتك هذا الطعام فاقبضه فقبضه فهذه هبة لأن عين الطعام تطعم فإضافة لفظة الإطعام إلى ما يطعم عينه يكون تصرفا في العين تمليكا بغير عوض وذلك يكون هبة .
وكذلك لو قال جعلت هذه الدار لك فاقبضها لأن معنى كلامه ملكتك هذه الدار .
ألا ترى أن في التمليك ببدل لا فرق بين لفظ الجعل والتمليك