( وروى ) عن معاذ بن جبل وبن عباس وشريح والحسن والشعبي رضي الله عنهم قالوا لا تجوز الصدقة حتى يقبض وبه نأخذ فنقول أن الصدقة لا تتم إلا بالقبض بخلاف ما يقوله مالك رحمه الله تعالى وهذا لأن المتصدق يجعل ما يتصدق به خالصا لله تعالى بإخراجه عن ملكه وحقه ولا يتم ذلك إلا بالإخراج من يده ولا خلاف فيه بين العلماء رحمهم الله تعالى في الصدقة المنفذة وقال أهل المدينة رحمهم الله تعالى مجرد الإعلام يكفي لذلك لما جاء في الأثر عن بن مسعود رضي الله عنه وغيره إذا أعلمت الصدقة جازت وجعلوا ذلك قياس العتق فإن العتق يزيل المعتق عن ملكه ويجعله لله تعالى ثم يتم ذلك بنفسه فكذلك الصدقة ولأن الآخذ للصدقة هو الله تعالى قال الله تعالى ! < ويأخذ الصدقات > ! 104 وقال عليه الصلاة والسلام إن الصدقة تقع في كف الرحمن فيربيها كما يربي أحدكم فلوه حتى تصير مثل أحد .
ولكنا نقول هذا في ضمن الإتصال إلى الفقير ليكون الفقير آخذا كفايته من الله تعالى فإنه عبد الله وكفاية العبد على مولاه وقد وعد له ذلك بقوله تعالى وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ولهذا لم يكن للمعطى منه على القابض وهذا المقصود لا يحصل قبل التسليم إلى الفقير فلا تتم الصدقة بخلاف العتق فالعبد في يد نفسه فيصير قابضا نفسه مع أن المعتق متلف للملك والرق فيه والإتلاف يتم بالتلف والمتصدق غير متلف للملك بل جاعل الملك لله تعالى خالصا وذلك في ضمن التمليك من الفقير فكما أن التمليك من الفقير لا يتم إلا بالتسليم إليه فكذلك جعله لله تعالى .
فأما الصدقة الموقوفة على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى تلزم بالإعلام وإن لم يخرجها من يده إلى يد المتولى وعلى قول محمد رحمه الله تعالى لا يتم إلا بالإخراج من يده والتسليم إلى المتولي وهو قول بن أبي ليلى .
وحجته في ذلك أن إزالة الملك بطريق التبرع فتمامه بالتسليم كما في الصدقة المنفذة وهذا لأنه لو لزمه قبل التسليم لصارت يده مستحقة عليه والتبرع لا يصلح سببا للاستحقاق على المتبرع في غير ما تبرع به فينبغي أن يكون متبرعا في إزالة يده كما في إزالة ملكه وذلك بأن لم تتم الصدقة قبل التسليم بل هذا أولى من الصدقة المنفذة فإن جواز ذلك متفق عليه بين العلماء رحمهم الله تعالى وفي جواز الصدقة الموقوفة ولزومها خلاف ظاهر ثم تلك الصدقة مع قوتها لا تتم إلا بالتسليم فهذا أولى .
وقال في الكتاب من جوز الصدقة غير مقبوضة لم يفصل بين الصدقة الموقوفة والمنفذة وهو قول أهل المدينة رحمهم الله تعالى وكذلك من لم يجوزها إلا مقبوضة والفرق بينهما من نوع التحكم وقد بينا أن ذلك لا يجوز وأبو يوسف رحمه الله يقول هذه إزالة ملك لا تتضمن التمليك فتتم بدون القبض