في المال تصح المفاوضة فلعل الشهود ممن يعتمدون ذلك ففسروا بناء على اعتقادهم ولكن القاضي يبني ما ثبت عنده على اعتقاده لا على اعتقاد الشهود فتبين بهذا الفعل ضعف كلام محمد رحمه الله في الفرق بين ما إذا فسر الشهود أو أبهموا فإن تفسيرهم لما لم يعتبر في قبول شهادتهم على المفاوضة فكذلك لا يعتبر تفسيرهم في المنع من قبول بينة أحدهما على متاع في يده أنه ميراث بل المبهم والمفسر في ذلك سواء وكذلك لو كان المدعي ميتا وأقام وارثه البينة على مثل ذلك لأنه خليفة مورثه قائم مقامه .
( قال ) ( وإذا افترق المتفاوضان فأقام أحدهما البينة أن المال كله كان في يد صاحبه وإن قاضي كذا قد قضى بذلك عليه وقسموا المال وأنه قضى به بينهما نصفين وأقام الآخر البينة بمثل ذلك من ذلك القاضي بعينه أو من غيره فإن كان ذلك من قاض واحد وعلمنا التاريخ من القضائين أخذنا بالآخر وهو رجوع عن الأول ) لأنه عالم بقضاء نفسه فإنما يقضي ثانيا بخلاف ما قضى به أولا إذا تبين له الخطأ في القضاء الأول فلهذا جعلنا الثاني نقضا للأول وهو كما لو تباينا بألف ثم تبايعا بمائة دينار يجعل الثاني نقضا للأول وإن لم يعلم التاريخ بينهما أو كان القضاء من قاضيين لزم كل واحد منهما القضاء الذي لا نعده عليه لأن كل واحد منهما صحيح ظاهر وأنه قضى بالحجة ممن له ولاية القضاء فلا يجوز إبطاله بالشك إذ ليس أحدهما بالإبطال أولى من الآخر ( وإذا كان من قاضيين وكل واحد منهما لا يملك نقض قضاء الآخر ولا يقصد ذلك إنما يقضى كل واحد منهما بما شهد عنده الشهود به ولا منافاة بينهما ) لجواز أن يكون في يد كل واحد منهما بعض مال الشركة فظن كل فريق أن ذلك جميع مال الشركة فيحاسب كل واحد منهما صاحبه بما عليه ويترادان الفضل .
( قال ) ( ولا يلزم المفاوض ما على شريكه من مهر أو أرش جناية ) لأن كل واحد منهما ملتزم لما وجب لطريق التجارة والنكاح ليس بتجارة فالمهر الواجب به لا يكون واجبا بسبب التجارة ولأنه بدل مما لا يحتمل الشركة وكفالة كل واحد منهما عن صاحبه بدين هو بدل ما يحتمل الشركة حتى يكون منفعة مباشرة بسبب الالتزام لهما وأرش الجناية واجب بطريق العدوان دون التجارة فهو بدل ما لا يحتمل الشركة بينهما والدليل على الفرق أن إقرار المأذون بالمهر وأرش الجناية غير صحيح في حق المولى بخلاف إقراره بديون التجارة .
( قال ) ( ولا يشارك أحدهما صاحبه فيما يرث من ميراث ولا جائزة يجيزها السلطان له أو هبة أو هدية ) إلا عند بن أبي ليلى رحمه الله فإنه يقول مقتضى الشركة المساواة وقد بقيت الشركة بينهما فيثبت ما هو مقتضاها وهو بناء على مذهبه