التحرز عن هذا التفاوت عادة فقلما يجدان شيئا واحدا يشتريانه بمالهما .
ولا بد من أن يكون الشراء بأحد المالين قبل الآخر فيجعل هذا عفوا لعدم إمكان التحرز عنه .
( قال ) ( فإن كانت دراهم أحدهما بيضا ودراهم الآخر سودا فهو كذلك ) لأن السود والبيض كل واحد منهما يصلح أن يكون رأس مال في الشركة وبتفاوت الوصف ينعدم الاختلاط وقد بينا أن الخلط ليس بشرط إلا أن يكون لأحدهما على الآخر فضل في الصرف فلا تجوز شركة المفاوضة لانعدام التساوي بينهما إلا في رواية عن أبي يوسف رحمه الله وقد بينا هذا ثم تكون الشركة بينهما عنانا لأن تحصيل مقصود المتعاقدين بقدر الإمكان واجب والعنان قد يكون عاما وقد يكون خاصا وهذا عنان عاما وإن لقباه بالمفاوضة فهو لقب فاسد لانعدام شرط المفاوضة ولكن لا يبطل به أصل الشركة فإن كان شراء يوم وقعت الشركة ثم صار في أحدهما فضل قبل أن يشتريا شيئا فسدت المفاوضة أيضا لأنه اعترض بعد العقد قبل حصول المقصود به ما يمنع ابتداء العقد وهو التفاوت في ملك المال فيكون مبطلا للعقد كما لو ورث أحدهما مالا يصلح أن يكون رأس مال في الشركة تفسد به المفاوضة وإن كان ذلك بعد الشراء بالمالين جميعا فالشركة جائزة لأن المقصود قد حصل حين اشتريا بالمالين فلا معتبر بما يظهر من التفاوت في العرف بعد ذلك .
( فإن قيل ) أليس أنه لو ورث أحدهما مالا بعد الشراء بالمالين أو وهب له مالا فسدت المفاوضة .
( قلنا ) لأن المساواة في ملك المال منعدم هناك بما اختص به أحدهما وهنا لا ينعدم لأن ملكهما تحول من الدراهم إلى المشتري والمشتري بينهما نصفان .
( فإن قيل ) لا كذلك بل لكل واحد منهما على صاحبه نصف رأس ماله دينا عليه حتى لو هلك المشتري يرجع كل واحد منهما على صاحبه بنصف رأس ماله فينعدم المساواة أيضا بظهور الفصل في النصف .
( قلنا ) نعم ولكن ما استوجبه كل واحد بينهما على صاحبه دين عليه والدين لا يصلح أن يكون رأس مال في الشركة فالتفاوت بينهما في ذلك لا يمنع بقاء المفاوضة كما لو ورث أحدهما دينا أو عرضا وكذلك لو كان رأس مال أحدهما ألف درهم ورأس مال الآخر مائة دينار فإن كانت قيمتها مثل الألف فالشركة بينهما مفاوضة وهذا في التفريع كالسود والبيض وإن كانت قيمة الدنانير أكثر من ألف درهم لم تجز المفاوضة لانعدام المساواة وكانت الشركة بينهما عنانا حتى لا يطالب كل واحد منهما بما يجب على صاحبه لأن ذلك من حكم من الكفالة الثابتة