يعرض للقاضي بما ذكرنا أو يحلف ما استودعتني شيئا إلا كذا وكذا يستثني ذلك بكلامه ويخفيه من خصمه ومن القاضي ويسعه ذلك لأنه مظلوم دافع الضرر عن نفسه غير قاصد إلى الإضرار بغيره إلا أن مجرد نيته لا تكفي لذلك لأنه يحتاج إلى إخراجه من جملة ما يتناوله كلامه لولا الاستثناء وذلك يحصل بالنية لأن الاستثناء بيان أن كلامه عبارة عما وراء المستثنى فلا يحصل ذلك إلا بما يصلح أن يكون ناسخا أو معارضا ومجرد النية لا تصلح لذلك فلهذا شرط التكلم بالاستثناء .
وجه ذلك ما لو قرب إنسان أذنه من فمه سمع ذلك وفهمه .
وأما إذا غاب رب الوديعة ولا يدري أحي هو أو ميت فعليه أن يمسكها حتى يعلم بموته لأنه التزم حفظها له فعليه الوفاء بما التزم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في العهود وفاء لا غدر فيه بخلاف اللقطة فإن مالكها غير معلوم عنده فبعد التعريف التصدق بها طريق لإيصالها إليه وهنا مالكها معلوم فطريق إيصالها الحفظ إلى أن يحضر المالك أو يتبين موته فيطلب وارثه ويدفعها إليه .
وإن مات الرجل وعليه دين وعنده وديعة ومضاربة وبضاعة فإن عرفت بأعيانها فأربابها أحق بها من الغرماء لأن حق الغرماء بعد موت المديون يتعلق بماله دون مال سائر الناس وكما كانوا أحق بها في حياة المديون فكذلك بعد موته .
وإن لم تعرف بأعيانها قسم المال بينهم بالحصص وأصحاب الوديعة والمضاربة والبضاعة بمنزلة الغرماء عندنا .
وعلى قول بن أبي ليلى الغرماء أحق بجميع التركة وأصل المسألة أن الأمين إذا مات مجهلا للأمانة فالأمانة تصير دينا في تركته عندنا لأنه بالتجهيل صار متملكا لها فإن اليد المجهولة عند الموت تنقلب يد ملك ولهذا لو شهد الشهود بها كان ذلك بمنزلة الشهادة بالملك حتى يقضي القاضي للوارث والمودع بالتمليك فيصير ضامنا ولأنه بالتجهيل يصير مسلطا غرماءه وورثته على أخذهاوالمودع بمثل هذا التسليط يصير ضامنا كما لو دل سارقا على سرقتها ولأنه التزم أداء الأمانة ومن أداء الأمانة بيانها عند موته وردها على المالك إذا طلب فكما يضمن بترك الرد بعد الطلب يضمن أيضا بترك البيان عند الموت .
وبن أبي ليلى يقول هذا كله إذا علم قيامها عند الموت ولا يعرف ذلك ولكنا نقول قد علمنا بقاءها والتمسك بما هو المعلوم واجب ما لم يتبين خلافه .
وربما يقول حق الغرماء كان في ذمته ويتحول بالموت إلى ماله وحق أصحاب الأمانة لم يكن في ذمته في حياته فكيف يزاحمون الغرماء في ماله بعد موته .
ولكنا نقول صار حقهم أيضا دينا قبل