يأتمن الإنسان الرجل على ماله ولا يأتمن زوجته إلا أنه إنما يلزمه مراعاة شرطه بحسب الإمكان فإذا كان يجد بدا من الدفع إلى من نهاه عنه فهو متمكن من حفظها على الوجه المأمور به فيصير ضامنا بحفظها على الوجه المنهي عنه وإذا كان لا يجد بدا من ذلك فهو حافظ لها بحسب الإمكان وليس عليه أكثر من ذلك فلا يضمنها .
( وإذا استعمل المودع الوديعة وأقر بذلك ثم قال رددتها إلى مكانها فهلكت لم يصدق إلا ببينة ) لأن السبب الموجب للضمان عليه وهو الاستعمال معلوم ثم ادعى ما يسقط الضمان عنه .
وهو ترك الخلاف قبل الهلاك فلا يصدق إلا بحجة فإن أقام البينة أنه رده إلى وضعه صحيحا ثم هلك كان الثابت بالبينة كالثابت بإقرار الخصم فلا يضمن شيئا عندنا .
وإن كانت الوديعة أمة فوطئهاالمودع فولدت فالولد مملوك لصاحب الأصل وعلى المودع الحد ولا يثبت نسب الولد منه لأن فعله زنا محض وكونها وديعة عنده لا يمكن في شبهة المحل إلا أن يدعي شبهة نكاح أو شراء فحينئذ يسقط الحد عنه ويغرم العقر للشبهة .
( وإذا استودع رجلان رجلا وديعة من دراهم أو دنانير أو ثياب أو دواب أو عبيد ثم حضر أحدهما وطلب حقه منه لم يكن له ذلك حتى يجتمعا ولو خاصمه إلى القاضي لم يأمره بدفع نصيبه إليه في قول أبي حنيفة ) .
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يأمره بأن يقسم ذلك ويدفع نصيبه إليه ولا تكون قسمته جائزة على الغائب وعن محمد في الأمالي قال قول أبي حنيفة أقيس وقول أبي يوسف رحمه الله أوسع .
وجه قولهما أن كل واحد من المودعين مالك لنصيبه حقيقة فلا يتعذر عليه قبض نصيبه في غيبة الآخر كالشريكين في الدين إذا حضر أحدهما كان له أن يطالب المديون بنصيبه وهذا لأنه يجب دفع الضرر عن الحاضر كما يجب دفع الضرر عن الغائب وإنما يندفع الضرر عنهما فيما قلنا بأن يقسم فيدفع إلى الحاضر نصيبه ليندفع الضرر عنه ثم لا تنفذ قسمته على الغائب حتى إذا هلك الباقي في يده ثم حضر الغائب كان له أن يشارك الحاضر فيما قبض دفعا للضرر عنه هذا في المكيل والموزون واضح فإن الحاضر له أن ينفرد بأخذ نصيبه منهما مع غيبة الآخر فكذلك للمودع أن يدفع نصيبه إليه وقد بينا نظيره في مال المفقود .
ومذهب أبي حنيفة مروي عن علي رضي الله تعالى عنه .
والمعنى فيه أنه لو دفع شيئا إلى الحاضر فإما أن يكون المدفوع من نصيبهماجميعا أو نصيب الحاضر خاصة ولا يمكن أن يجعل ذلك من نصيب الحاضر خاصة لأن ذلك لا يكون إلا بعد قسمة معتبرة وليس للمودع ولاية على الغائب في القسمة فلم يبق إلا أن يكون المدفوع من النصيبين