مثل حنطته ولا سبيل له على الزرع عندنا وعند الشافعي رضي الله تعالى عنه الزرع له لأنه متولد من ملكه والمتولد يملك بملك الأصل كولد الجارية وثمرة الشجرة وهذا لأن فعل الزارع حركاته والأجسام لا تتولد من الحركات .
والدليل على أن التولد من الأصل أن بصفة الأصل يختلف الزرع مع اتحاد عمل الزارع والدليل عليه أنه لو حصل بغير فعل أحد بأن هبت الريح بحنطة إنسان وألقته في أرض الغير فينبت كان الزرع لصاحب الحنطة .
( وحجتنا ) في ذلك أن الزرع غير الحنطة لأن الحنطة مطعوم بني آدم والزرع بقل هو علف الدواب وهذا الزرع حادث لأنه ما لم يفسد الحب في الأرض لا ينبت الزرع فإما أن يكون حادثا بأصل الحنطة أو بقوة الأرض والهواء أو بعمل الزارع والأول باطل لأن كونه حنطة ليس بعلة لبقائها كذلك حنطة فكيف تكون علة لحدوث شيء آخر وقوة الأرض والهواء كذلك لأنهما مسخران بتقدير الله تعالى لا اختيار لهما فلا يصلح إضافة الحكم إليهما بنفي عمل الزارع وهو في معنى الشرط لأنه يجمع بين البذر وقوة الأرض والهواء بعمله وقد بينا أنه يضاف الحكم إلى الشرط عند تعذر الإضافة إلى العلة كما أن الواقع في البئر يضاف هلاكه إلى الحافر وعمله في الشرط ولكن ما كان علة وهو تعلة ومشبه بغير علة لا يصلح عمله لإضافة الحكم إليه فيكون مضافا إلى الشرط .
وإذا ثبت أنه مضاف إلى عمل الزارع كان هو مكتسبا للزارع والكسب ملك للمكتسب وعليه ضمان ما صار مستهلكا بعمله إلا أنه لا يطيب له الفضل في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله .
وعند أبي يوسف رحمه الله يطيب له الفضل لأنه كسبه ولكنا نقول دخل في كسبه من حيث أنه استعمل في الاكتساب ملك الغير ولأنه من حيث الصورة هذا متولد من ذلك الأصل كما قاله الخصم ومن حيث المعنى والحكم غيره فلاعتبار الصورة قلنا لا يطيب له الفضل احتياطا وعلى هذا لو غصب نواة فأنبتها أوتالة فغرسها إلا أنه روي عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال في التالة لا يحل له أن ينتفع بها حتى يؤدي الضمان وفي الزرع والنواة له ذلك لأن البذر والنواة تفسد في الأرض فكان الزرع والشجرة كسب الغاصب من كل وجه فيجوز له الانتفاع به قبل أداء الضمان المستهلك وأما التالة فلا تفسد ولكنها تنمو وإنما جعلنا الشجرة غير التالة من حيث الحكم فلا يحل له الانتفاع بها قبل أداء الضمان كما في الحنطة إذا طحنها .
وفي ظاهر الرواية الجواب في