وبظاهر الحديث يقول جهال أهل التقشف وحماقى أهل التصرف لا يسعه أن يأخذه فلا أقل من أن يسعه الترك لظاهر الحديث .
( وإذا أخذ عبدا آبقا فادعاه رجل وأقر له العبد فدفعه إليه بغير أمر القاضي فهلك عنده ثم استحقه آخر ببينة أقامها فله أن يضمن أيهما شاء ) لكون كل واحد منهما خائنا في حقه فإن ضمن الدافع رجع به على القابض لأنه أخذ العبد منه لنفسه وقد تبين أنه كان غاصبا لا مالكا وللغاصب الأول حق الرجوع على الثاني بما يضمن ولأنه لم يسبق إقرار من الدافع للقابض بالملك ولو كان أقر له بذلك فسقط اعتبار إقراره لما صار مكذبا شرعا فإذا لم يسبق إقراره أولى .
وإن كان لم يدفع إلى الأول حتى شهد شاهدان عنده فدفعه إليه بغير حكم ثم أقام آخر البينة عند القاضي فإنه يقضي به لهذا لأن البينة الأولى أقامها صاحبها في غير مجلس الحكم فلا تكون معارضة للبينة التي قامت في مجلس الحكم لأن وجوب الحكم يختص ببينة تقوم في مجلس القضاء .
وإن أعاد الأول بينته لم ينفعه أيضا لأن اليد في العبد له وبينة ذي اليد في الملك المطلق لا تعارض بينة الخارج وما يكتسبه العبد الآبق بالبيع والشراء والإجارة وغير ذلك لمولاه لأنه مالك لرقبته بعد إباقه وإذا لم يكن المكتسب أهلا للملك فمولاه يخفه في ملك الكسب لملكه رقبته .
وإن أجره الذي أخذه وأخذ أجرته فهو للذي أجره قال لأنه في ضمانه وكأنه أشار بهذا إلى قوله صلى الله عليه وسلم الخراج بالضمان ولأنه بعقده صير ما ليس بمال مالا فإن المنافع لا تأخذ حكم المالية إلا بالعقد عندنا كما بينه في الغصب .
ومن صير ما ليس بمال من ملك الغير مالا بفعله كان ذلك المال له كمن اتخذ كوزا من تراب غيره وباعه ولكن ينبغي له أن يتصدق به لأنه حصل بكسب خبيث .
وإن دفعه إلى المولى مع العبد وقال هذا المال غلة عبدك وقد سلمته لك فهو للمولى لأنه أخذ بالاحتياط فيما صنع وتحرز عن اختلاف العلماء فإن عند الشافعي رضي الله عنه هذا المال للمولى وعندنا هو للأجير ولا يمنعه من تمليك مال نفسه منه طوعا ثم يحل للمولى أكله استحسانا وفي القياس لا يحل لأن حق الفقير أثبت فيه حين وجب التصدق به فلا يملك الآخذ إسقاط حق الفقراء .
ولكنه استحسن وقال وجوب التصدق به كان لخبث دخل فيه لعدم رضى المولى به فإنما يظهر ذلك في حق الآخذ لا في حق المولى بل بالتسليم إلى المولى يزول ذلك الخبث فكان له أن يأكله استحسانا لأنه كسب عبده .
وفي القياس لا يجب الأجر لأن المستأجر ضامن للعبد باستعماله والأجر مع الضمان لا يجتمعان ولكنه