صاحبه أودعه لم يصدق في ذلك إلا بحجة وإن قال قد التقطت لقطة أو ضالة أو قال عندي شيء فمن سمعتموه ينشد لقطة فدلوه علي فلما جاء صاحبها قال قد هلكت فهو مصدق على ذلك ولا ضمان عليه لأنه أظهرها بما قال وتبين أن أخذها للرد فكان أمينا فيها ولا يضره أن يسمي جنسها ولا صفتها في التعريف لأنه إنما امتنع من ذلك لتحقيق الحفظ على المالك كيلا يسمع إنسان ذلك منه فيدعيها لنفسه ويخاصمه إلى قاض يرى الاستحقاق لمصيب العلامة فقد بينا أن في هذا اختلافا ظاهرا وما يرجع إلى تحقيق الحفظ على المالك لا يكون سببا للضمان عليه وكذلك لو وجد لقطتين فقال من سمعتموه ينشد لقطة فدلوه علي .
وإن لم يقل عندي لقطتان ثم هلكتا عنده ثم جاء صاحبهما فلا ضمان عليه فيهما لأنه أظهرهما بما ذكر من التعريف فاللقطة اسم جنس يتناول الواحد وما زاد عليه حتى لو قال عندي لقطة بريء من الضمان وإن كانت عنده عشرة لأن الإشهاد بهذا اللفظ يتم منه في حق كل واحد منهما .
وإذا أخذ الرجل لقطة ليعرفها ثم أعادها إلى المكان الذي وجدها فيه فلا ضمان عليه لصاحبها وإن هلكت قبل أن يصل إليها صاحبها أو استهلكها رجل آخر لأن أخذها للتعريف لم يكن سببا لوجوب الضمان عليه وكذلك ردها إلى مكانها لأنه نسخ لفعله فلا يكون سببا لوجوب الضمان عليه كرد الوديعة إلى مالكها ورد المغصوب إلى صاحبه ولأنه بمجرد الأخذ لا يصير ملتزما للحفظ فقد يأخذها على ظن أنها له بأن كان سقط منه مثلها فإذا تأملها وعلم أنها ليست له ردها إلى مكانها وقد يأخذها ليعرف صفتها حتى إذا سمع إنسانا يطلبها دله عليها وقد يأخذها ليحفظها على المالك وهو يطمع في أن يتمكن من أداء الأمانة فيها فإذا أحس بنفسه عجزا أو طمعا في ذلك ردها إلى مكانها فلهذا لا يضمن شيئا وإنما الضمان على المستهلك لها .
وإن كان الأول أخذها لنفسه ثم أعادها إلى مكانها فهو ضامن لها إن هلكت وإن استهلكها غيره فلصاحبها الخيار يضمن أيهما شاء .
لأن أخذها لنفسه سبب موجب للضمان عليه وبعد ما وجب الضمان لا يبرأ إلا بالرد على المالك كالغاصب وإعادتها إلى مكانها ليس برد على المالك فلا يكون مسقطا للضمان عليه .
وقيل على قول زفر يبرأ عن الضمان لأنه نسخ فعله بما صنع فيسقط عنه حكم ذلك الفعل .
ونظائر هذه المسألة ذكرها في اختلاف زفر ويعقوب قال إذا كانت دابة فركبها ثم نزل عنها وتركها في مكانها فعلى قول زفر رحمه الله لا ضمان عليه وعلى قول أبي يوسف رحمه الله هو ضامن لها وكذلك لو نزع الخاتم من أصبع نائم ثم أعاده إلى أصبعه بعد ما انتبه ثم نام فعند أبي يوسف رحمه الله لا يبرأ عن الضمان وعند زفر يبرأ عن ضمانه ولو أعاده إلى أصبعه قبل أن ينتبه من تلك النومة برأ بالاتفاق فزفر رحمه الله سوى بينهما باعتبار أنه نسخ فعله حين أعاده على الحال الذي أخذه