التورع عنه من الحرج ما لا يخفى وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب لم ينبغ له أن يقبل منه شيئا لأن أكبر الرأي فيما لا يوقف على حقيقته كاليقين ( قال ) ( وكان شيخنا الإمام رحمه الله تعالى يقول الصبي إذا أتى بقالا بفلوس يشتري منه شيئا وأخبره أن أمه أمرته بذلك فإن طلب الصابون ونحوه فلا بأس ببيعه منه وإن طلب الزبيب وما يأكله الصبيان عادة فينبغي له أن لا يبيعه ) لأن الظاهر أنه كاذب فيما يقول وقد عثر على فلوس أمه فيريد أن يشتري بها حاجة نفسه وإن قال الصبي هذا لي وقد أذن لي أبي في أن أهبه لك أو أتصدق به عليك لم ينبغ له أن يقبله منه لأنه ليس للأب ولاية الإذن بهذا التصرف لولده بخلاف ما إذا قال أبي بعثه إليك على يدى صدقة أو هبة لأن للأب هذه الولاية في مال نفسه فكان ما أخبره مستقيما وكذلك الفقير إذا أتاه عبد أو أمة بصدقة من مولاه ولو أن رجلا علم أن جارية لرجل يدعيها ثم رآها في يد رجل آخر يبيعها ويزعم أنها كانت في يد فلان وذلك الرجل يدعى أنها له وكانت مقرة له بالملك غير أنه زعم أنها كانت في يد فلان وذلك الرجل يدعي أنها له وكانت مقرة له بالملك غير أنه زعم أنها كانت لي وإنما أمرته بذلك الأمر خفية وصدقته الجارية بذلك والرجل ثقة مسلم فلا بأس بشرائها منه لأنه أخبر بخبر مستقيم محتمل ولو كان ما أخبر به معلوما للسامع كان له أن يشتريها منه فكذلك إذا أخبره بذلك ولا منازع له فيه وإن كان في رأيه أنه كاذب لم ينبغ له أن يشتريها ولا يقبلها لأنه ثبت عنده أنها مملوكة للأول فإن إقرار ذي اليد بأن الأول كان يدعى أنها مملوكته حين كانت في يده يثبت الملك له وكذلك سماع هذا الرجل منه أنها له دليل في حق إثبات الملك له والذي أخبره المخبر بخلاف ذلك لم يثبت عنده حين كان في أكبر رأيه أنه كاذب في ذلك ولو لم يقل هذا ولكنه قال ظلمني وغصبني وأخذتها منه لم ينبغ له أن يتعرض لشراء ولا قبول إن كان المخبر ثقة أو غير ثقة والفرق من وجهين أحدهما أنه أخبر هناك بخبر مستنكر فإن الظلم والغصب مما يمنع كل أحد عنه عقله ودينه فلم يثبت له بخبره غصب ذلك الرجل بقى قوله أخذتها منه وهذا أخذ بطريق العدوان ألا ترى أن القاضي لو عاين ذلك منه أمره برده عليه حتى يثبت ما يدعيه وإذا سقط اعتبار يده بقى دعواه الملك فيما ليس في يده وذلك لا يطلق الشراء منه وفي الأول أخبر بخبر مستقيم كما قررنا فإن دينه وعقله لا يمنعه من التلجئة عند الخوف والثاني أن خبر الواحد عند المسالمة حجة وعند المنازعة لا يكون حجة لأنه يحتاج فيه إلى الإلزام وذلك لا يثبت بخبر الواحد وفي الفصل الثاني