الكوفة من قبل أبواب كندة فإذا نفر خمسة يشتمون عليا رضي الله عنه وفيهم رجل عليه برنس يقول أعاهد الله لأقتلنه فتعلقت به وتفرق أصحابه فأتيت به عليا رضي الله عنه فقلت إني سمعت هذا يعاهد الله ليقتلنك قال ادن ويحك من أنت قال أنا سوار المنقري فقال علي رضي الله عنه خل عنه فقلت أخلي عنه وقد عاهد الله ليقتلنك فقال أفأقتله ولم يقتلني قلت وأنه قد شتمك قال فاشتمه إن شئت أو دعه وفي هذا دليل على أن من لم يظهر منه خروج فليس للإمام أن يقتله وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى قال ما لم يعزموا على الخروج فالإمام لا يتعرض لهم فإذا بلغه عزمهم على الخروج فحينئذ ينبغي له أن يأخذهم فيحبسهم قبل أن يتفاقم الأمر لعزمهم على المعصية وتهييج الفتنة وكان هؤلاء لم يكونوا مغلبين الخروج عليه ولم يعزموا على ذلك أو لم يصدقه علي رضي الله تعالى عنه فيما أخبره به من عزمه على قتله فلهذا أمره بأن يخلي عنه وليس مراده من قوله فاشتمه إن شئت أن ينسبه إلى ما ليس فيه فذلك كذب وبهتان لا رخصة فيه وإنما مراده أن ينسبه إلى ما علمه منه فيقول يا فتان يا شرير لقصده إلى الشر والفتنة وما أشبه ذلك من الكلام وهو معنى قوله تعالى ! < لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم > ! 148 .
( قال ) ( وبلغنا عن علي رضي الله تعالى عنه أنه بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ حكمت الخوارج من ناحية المسجد فقال علي رضي الله عنه كلمة حق أريد بها باطل لن نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ولن نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ولن نقاتلكم حتى تقاتلونا ثم أخذ في خطبته ) ومعنى قوله إذ حكمت الخوارج أي نادوا الحكم لله وكانوا يتكلمون بذلك إذا أخذ علي رضي الله عنه في خطبته ليشوشوا خاطره فإنهم كانوا يقصدون بذلك نسبته إلى الكفر لرضاه بالحكمين وتفويضه الحكم إلى أبي موسى رضي الله عنه ولهذا قال علي رضي الله عنه كلمة حق أريد بها باطل يعني أن ظاهر قول المرء الحكم لله حق ولكنهم يقصدون به الباطل وهو نسبته إلى الكفر ثم فيه دليل على أنهم ما لم يعزموا على الخروج فالإمام لا يتعرض لهم بالحبس والقتل فإن المتكلمين بذلك ما كانوا عازمين على الخروج عند ذلك فلهذا قال لن نمنعكم مساجد الله ولن نمنعكم الفيء وفيه دليل على أن التعريض بالشتم لا يوجب التعزير فإنه لم يعزرهم وقد عرضوا بنسبته إلى الكفر والشتم بالكفر موجب للتعزير وفيه دليل على أن الخوارج إذا كانوا يقاتلون الكفار تحت راية أهل العدل فإنهم يستحقون من الغنيمة ما يستحقه غيرهم