بني إسرائيل ولئن كانوا في الأصل من العرب فجنايتهم في الغلظ ليست كجناية عبدة الأوثان فإن أهل الكتاب يدعون التوحيد ولهذا تؤكل ذبائحهم وتجوز مناكحة نسائهم بخلاف عبدة الأوثان والأصل فيه ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من يهود تيماء ووادي القرى وكذلك من بهزا وتنوخ وطى وعمر رضي الله عنه أراد أن يوظف الجزية على نصارى بني تغلب ثم صالحهم على الصدقة المضعفة وقال هذه جزية فسموها ما شئتم وكانوا من العرب فأما عبدة الأوثان من العجم فلا خلاف في جواز استرقاقهم وإنما الخلاف في جواز أخذ الجزية منهم فعندنا يجوز ذلك وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز بمنزلة عبدة الأوثان من العرب فإن الله تعالى خص أهل الكتاب بحكم الجزية بقوله تعالى ! < ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون > ! 29 وزعم الشافعي أن المجوس أهل كتاب وروى فيه أثرا عن علي رضي الله عنه أنه قال كان لهم كتاب يقرؤون إلى أن واقع ملكهم ابنته فأصبحوا وقد أسرى بكتابهم حديث فيه طول ( وحجتنا ) في ذلك أن الجزية تؤخذ من المجوس بالاتفاق ولا كتاب لهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب ففي هذا تنصيص على أنه لا كتاب لهم وقال الله تعالى ! < أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا > ! 156 ولو كان للمجوس كتاب لكانوا ثلاث طوائف والأثر بخلاف نص القرآن لا يكاد يصح عن علي رضي الله عنه فثبت أن لا كتاب للمجوس ومع ذلك تؤخذ منهم الجزية وهم مشركون فإنهم يدعون الاثنين وإن اختلفت عبارتهم في ذلك من النور والظلمة أو يزدان واهرمن وليس الشرك إلا هذا فإذا جاز أخذ الجزية منهم فكذلك من غيرهم من المشركين وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من مجوس هجر وبهذا تبين أن ذكر أهل الكتاب في الآية ليس لتقييد الحكم بل لبيان جواز أخذ الجزية من أهل الكتاب ومن أصلنا أن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على أن الحكم فيما عداه بخلافه قوم غزوا أرض الحرب فارتد منهم طائفة واعتزلوا عسكرهم وحاربوا ونابذوهم فأصاب المسلمون غنيمة وأصاب أولئك المرتدون غنيمة من أهل الشرك ثم تابوا قبل أن يخرجوا من دار الحرب لم يشارك أحد الفريقين الآخر فيما أصابوا لأن بعضهم لم يكن ردءا للبعض فالمسلمون لا ينصرون المرتدين ولا يستنصرون بالمرتدين إذا حزبهم أمر ولأن مصاب المرتدين ليس بغنيمة إذ لم يكن قصدهم عند الإصابة اعزاز الدين والمرتدون في حق