بعث جيشا ينبغي أن يؤمر عليهم أميرا هكذا كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن به يجتمع كلامهم وتتألف قلوبهم وبذلك ينصرون قال الله تعالى ! < هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم > ! الأنفال 62 وإنما يؤمر عليهم من يكون صالحا لذلك بأن يكون حسن التدبير في أمر الحرب ورعا مشفقا عليهم سخيا شجاعا .
ويحكى عن نصر بن سيار رحمه الله تعالى قال اجتمع عظماء العجم وغيرهم على أن قائد الجيش ينبغي أن يكون فيه عشر خصال من خصال البهائم شجاعة كشجاعة الديك وتحنن كتحنن الدجاجة وقلب كقلب الأسد وروغان كروغان الثعلب أي صاحب مكر وحيلة وغارة كغارة الذئب وحذر كحذر الغراب وحرص كحرص الكركي وصبر على الجراح كالكلب وحملة كالجبهة وسمن كما يكون لدابة بخراسان لا تهزل بحال وإذا أمر عليهم بهذه الصفة فينبغي له أن يوصيه بهم كما بدأ الكتاب ببيانه ورواه عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى عن علقمة بن مرثد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشا أو سرية أوصى صاحبهم بتقوى الله في خاصة نفسه .
ففي هذا إشارة إلى الفرق بين الجيش والسرية فالسرية عدد قليل يسيرون بالليل ويكمنون بالنهار والجيش هو الجمع العظيم الذي يجيش بعضهم في بعض قال صلى الله عليه وسلم خير الأصحاب أربعة وخير السرايا ربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف ولن يغلب اثنا عشر ألفا عن قلة إذا كانت كلمتهم واحدة وفيه بيان أنه ينبغي للإمام أن يخص صاحب الجيش والسرية بالوصية لأنه يجعلهم تحت أمره وولايته فيوصيه بهم وفي تخصيصه بالوصية بيان أن عليهم طاعته فلا تظهر فائدة الإمارة إلا بذلك .
وقد أوصى أبو بكر رضي الله عنه يزيد بن أبي سفيان رحمه الله تعالى حين وجهه إلى الشام في حديث طويل ذكره في السير الكبير وإنما يوصيه بتقوى الله تعالى لأنه بالتقوى ينال النصرة والمدد من السماء قال الله تعالى ! < بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم > ! آل عمران 125 وبالتقوى يجتمع للمرء مصالح المعاش والمعاد قال صلى الله عليه وسلم ملاك دينكم الورع وقال التقى مجلم وقيل في معنى قوله في خاصة نفسه أنه كان يوصيه سرا حتى لا يقف على جميع ما يوصيه به غيره والأظهر أن المراد أنه كان يوصيه في حق نفسه أولا ثم يوصيه بمن معه من المسلمين خيرا قال صلى الله عليه وسلم ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ونفسه إليه أقرب فكأنه كان يوصيه بحفظ نفسه من المهالك وحفظ من معه من المسلمين حتى لا يرضى لهم إلا بما يرضى لنفسه ولا يخص نفسه بشيء دونهم فبذلك يتحقق التألف وانقيادهم له ثم قال أغزوا باسم الله أي اخرجوا واقصدوا والغزو والقصد قال الله تعالى ! < أو كانوا غزى > !