الاغتسال بنفس الإيلاج في الموضعين ولا شبهة في تمحض الحرمة هنا لأن المحل باعتبار الملك ويتصور هذا الفعل مملوكا في القبل ولا يتصور في الدبر فكان تمحض الحرمة هنا أبين ومعنى سفح الماء هنا أبلغ منه في القبل لأن هناك المحل منبت فيتوهم أن يكون الفعل حرثا وإن لم يقصد الزاني ذلك ولا توهم هنا فكان تضييع الماء هنا أبين وليس هذا الكلام على سبيل القياس فالحد بالقياس لا يثبت ولكن هذا إيجاب الحد بالنص وما كان اختلاف اسم المحل إلا كاختلاف اسم الفاعل فإن النص ورد بالحد في حق ماعز رضي الله عنه فإيجاب الحد على الغير بذلك الفعل لا يكون قياسا فكذلك هنا ورد النص بإيجاب الحد على من باشر هذا الفعل في محل هو قبل فإيجابه على المباشر في محل هو دبر بعد ثبوت المساواة في جميع المعاني لا يكون قياسا .
وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول هذا الفعل ليس بزنا لغة ألا ترى أنه ينفي عنه هذا الاسم بإثبات غيره فيقال لاط وما زنى وكذلك أهل اللغة فصلوا بينهما قال القائل من كف ذات حر في زي ذي ذكر لها محبان لوطي وزناء فقد غاير بينهما في الاسم ولا بد من اعتبار اسم الفعل الموجب للحد ولهذا لا يجب القطع على المختلس والمنتهب والذي ورد في الحديث إذا أتى الرجل الرجل فهمان زانيان مجاز لا تثبت حقيقة اللغة به والمراد في حق الاثم ألا ترى أنه قال وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان والمراد في حق الاثم دون الحد كما أن الله تعالى سمى هذا الفعل فاحشة فقد سمى كل كبيرة فاحشة فقال ! < ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن > ! 151 ثم هذا الفعل دون الفعل في القبل في المعنى الذي لأجله وجب حد الزنى من وجهين أحدهما أن الحد مشروع زجرا وطبع كل واحد من الفاعلين يدعو إلى الفعل في القبل وإذا آل الأمر إلى الدبر كان المفعول به ممتنعا من ذلك بطبعه فيتمكن النقصان في دعاء الطبع إليه والثاني أن حد الزنى مشروع صيانة للفراش فإن الفعل في القبل مفسد للفراش ويتخلق الولد من ذلك الماء لا والد له ليؤدبه فيصير ذلك جرما يفسد بسببه عالم وإليه أشار صلى الله عليه وسلم في قوله وولد الزنى شر الثلاثة وإذا آل الأمر إلى الدبر ينعدم معنى فساد الفراش ولا يجوز أن يجبر هذا النقصان بزيادة الحرمة من الوجه الذي قالا لأن ذلك يكون مقايسة ولا مدخل لها في الحدود .
ثم اختلف الصحابة رضي الله عنهم في هذه المسألة فالمروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنهما يحرقان بالنار وبه أمر في السبعة الذين وجدوا على اللواطة .
وكان علي رضي الله عنه يقول يجلدان إن كانا غير محصنين ويرجمان إن كانا محصنين .
وكان بن عباس رضي الله عنهما يقول يعلى أعلى الأماكن من القرية ثم يلقى منكوسا فيتبع بالحجارة وهو قوله تعالى ! < فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة > !