غلبة الشبق أكثر منه إلى الشرب ثم حد الشرب أشد من حد القذف لأن جريمة الشارب متيقن بها بخلاف جريمة القاذف فالقذف خبر متمثل بين الصدق والكذب وقد يعجز عن إقامة أربعة من الشهداء مع صدقه فلهذا كان حد القذف أخف من حد الشرب حتى يضرب حد القذف وعليه ثيابه إلا أنه ينزع عنه الحشو والفرو ليخلص الألم إلى بدنه وسائر الحدود تقام على الرجل في إزار إلا أنه روى بن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى أنه يقام عليه حد الشرب وعليه ثيابه أيضا لأن حد الشرب حد القذف كما قال علي رضي الله عنه إذا شرب هذى وإذا هذى افترى وحد المفترين في كتاب الله تعالى ثمانون جلدة ولأن حد الشرب كان بالجريد والنعال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن اتفقت الصحابة على الجلد في عهد عمر رضي الله عنه ولهذا قال علي رضي الله عنه ما من أحد أقيم عليه حد فيموت فأحب أن أديه إلا حد الشرب فإنه بآرائنا ولضعفه قال لا يجرد عن ثيابه ولكن في ظاهر الرواية لتحقق جريمته يجرد كما في حد الزنى .
( قال ) ( ولا يمد في شيء من الحدود والتعزير ) قيل مراده المد بين العقابين وقيل مراده أن الجلاد لا يفصل عضده عن إبطه ولا يمد يده فوق رأسه وقيل مراده أنه بعد ما أوقع السوط على بدن المجلود لا يمده لأنه زيادة مبالغة لم يستحق عليه ذلك لأنه ربما يؤدي إلى التلف والتحرز عن ذلك واجب شرعا في موضع لا يستحق الإتلاف شرعا .
ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بحسم السارق بعد القطع للتحرز عن الإتلاف ويعطي كل عضو حظه من الضرب لأنه قد نال اللذة في كل عضو ولأن جميع الجلدات في عضو واحد ربما يؤدي إلى الإتلاف والإتلاف غير مستحق فيفرق على الأعضاء كيلا يؤدي إلى الإتلاف غير أنه لا يضرب الوجه والفرج أما الفرج فلا يحتمل الضرب والضرب على الفرج متلف .
وأما الوجه فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمرهم برجم الغامدية أخذ حصاة كالحمصة ورماها بها قال للناس ارموها واتقوا الوجه فلما منع من ضرب الوجه في موضع كان الإتلاف مستحقا ففي موضع لم يستحق الإتلاف أولى ولأن الوجه موضع الحواس ففي الضرب عليه إذهاب بعض الحواس عنه وهو استهلاك حكما وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يضرب الصدر والبطن أيضا لأن الضرب عليهما متلف .
( قال ) ( ولا يضرب الرأس في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ) وهو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الأول ثم رجع وقال يضرب الرأس أيضا ضربة واحدة وهو قول بن أبي ليلى