أبو يوسف رحمه الله تعالى بين هذا وبين ما إذا حلف لا يستقرض فإنه يحنث إذا طلب القرض من آخر وإن لم يقرضه لأن السين في قوله استقرضت لمعنى السؤال فإنما شرط حنثه طلب القرض وقد وجد بخلاف ما لو حلف لا يقرض أو حلف لا يهب فأمر غيره حتى فعل حنث .
وكذلك لو حلف لا يكسوه أو لا يحمله على دابة لأن هذا من العقود التي لا تتعلق الحقوق فيها بالعاقد .
ألا ترى أنه يقال كسا الأمير فلانا وإنما أمر غيره به وإن حلف ليضر بن عبده أو ليخيطن ثوبه أو ليبنين داره فأمر غيره ففعل بر في يمينه لأنه هو الفاعل لذلك وإن أمر غيره به فإن في العرف يقال بني فلان دارا أو خاط فلان ثوبا على معنى أنه أمر غيره به وإن لم يكن هو بناء ولا خياطا إلا أن يكون عنى أن يبنيه بيده فحينئذ المنوى حقيقة فعله وفيه تشديد عليه وكذلك كل شيء يحسن فيه أن يقول فعلته وقد فعل وكيله .
ولو حلف على حر ليضربنه فأمر غيره فضربه لم يبر حتى يضربه بيده لأنه لا ولاية له على الحر فلا يعتبر أمره فيه ألا ترى أنه لا يثبت للضارب حل الضرب باعتبار أمرة بخلاف العبد فإنه مملوك له عليه ولاية فأمر غيره بضربه معتبر .
ألا ترى أن الضارب يستفيد به حل الضرب ولأن العادة الظاهرة أن الإنسان يترفع من ضرب عبده بيده وإنما يأمر به غيره فعرفنا أن ذلك مقصوده ولا يوجد مثله في حق الحر إلا أن يكون الحالف السلطان أو القاضي فحينئذ يبر إذا أمر غيره بضربه لأنه لا يباشر الضرب بنفسه عادة وضرب الغير بأمره يضاف إليه فيقال الأمير اليوم ضرب فلانا وضرب القاضي فلانا الحد إلا أن ينوي أن يضربه بيده فحينئذ نوى حقيقة كلامه فتعمل نيته ويدين في القضاء والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .
$ باب اليمين في الخدمة $ ( قال ) رضي الله تعالى عنه ( وإذا حلف الرجل لا يستخدم خادما قد كانت تخدمه قبل ذلك ولا نية له فجعلت الخادم تخدمه من غير أن يأمرها حنث ) لأنه يستخدمها باستدامة ملكه فيها فإنه إنما اشتراها للخدمة فما دام مستديما للملك فيها فهو دليل استخدامها ولأنها كانت تخدمه قبل اليمين باستخدام كان منه فإذا جعلت تخدمه على حالها ولم ينهها فهو مستخدم لها بما سبق منه حتى لو نهاها ثم خدمته لم يحنث لأنه بالنهى قد انقطع حكم الاستخدام