من الثلث ولأن التدبير خلافة بعد الموت فيتقدر بقدر حقه بعد الموت وحق المولى بعد الموت في ثلث ماله فيعتبر خلافته في هذا المقدار فيكون من ثلثه كسائر الوصايا وفي أم الولد إنما يعتق من جميع المال لسقوط قيمة ماليتها على ما قررنا أن الإحراز بعد الاستيلاد لقصد ملك المتعة لا لقصد المالية وبدون الإحراز لا تثبت المالية والتقوم وهذا المعنى لا يتقرر بالتدبير فإن التدبير ليس بقصد إلى الإحراز لملك المتعة فيبقى الإحراز بعده للتمول وإذا بقي مالا متقوما كان معتبرا من ثلثه .
وعلى هذا قال علماؤنا رحمهم الله تعالى أنه لا يجوز بيع المدبر .
وقال الشافعي رحمه الله تعالى يجوز بيعه لحديث عطاء أن رجلا دبر عبدا له ثم احتاج إلى ثمنه فباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل يقال له نعيم بن النحام بثلثمائة درهم .
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها دبرت أمة لها فسحرتها وعلمت بذلك فقالت ما حملك على ما صنعت فقالت حبي العتاق فباعتها من أسوأ الناس ملكة .
والمعنى فيه أن التدبير تعليق العتق بالشرط وذلك لا يمنع جواز البيع كما لو علقه بشرط آخر من دخول الدار أو مجيء رأس الشهر والتدبير وصية حتى يعتبر من ثلث المال بعد الموت والوصية لا تمنع الموصي من التصرف بالبيع وغيره كما لو أوصى برقبته لإنسان وهذا لأن الوصية إيجاب بعد الموت فتمنع الإضافة بثبوت حكم الوجوب في الحال .
( وحجتنا ) حديث نافع عن بن عمر رحمه الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يباع المدبر ولا يوهب وهو حر من الثلث .
وتأويل حديث عطاء ما نقل عن أبي جعفر محمد بن علي رحمه الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما باع خدمة المدبر لا رقبته يعني به أنه أجره والإجارة تسمى بيعا بلغة أهل المدينة أو يحتمل أنه كان مدبرا مقيدا أو كان في وقت كان بيع الحر جائزا على ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه باع رجلا يقال له سرق في دينه ثم انتسخ ذلك الحكم .
وعن زيد بن ثابت وبن عمر رضي الله تعالى عنهما قالا لا يباع المدبر وما نقل عن عائشة رضي الله تعالى عنها محمول على المدبر المقيد ليكون جمعا بينهما والمعنى فيه أنه مملوك تعلق عتقه بمطلق موت سيده فلا يجوز بيعه كأم الولد .
ودليل الوصف أن التعلق حكم التعليق وإنما يتعلق بما به علق السيد وهو إنما علقه بمطلق الموت وتأثيره أن الموت كائن لا محالة وهو سبب للخلافة .
ألا ترى أن الوارث يخلف المورث في تركته بعد موته فهو بهذا التعليق يكون مثبتا للمملوك في الحال الخلافة في رقبته بعد موته فيكون إيجابا في ثاني الحال باعتبار وجود سببه على وجه يصير محجورا