نفسي لا يقبل قولها وهذا هو الصحيح لأن اشتغالها بكلام مبهم دليل الإعراض والتهاون وإن قال لها اختاري نفسك فقالت قد اخترت فهذا جواب وهي طالق لأن جوابها بناء على خطاب الزوج فما تقدم في الخطاب يصير كالمعاد في الجواب فكأنها قالت اخترت نفسي .
وإذا خيرها بعد ذكر الطلاق فاختارت نفسها ثم قال لم أنو به الطلاق لم يصدق في القضاء وكذلك إن قال هذا في غضب وقد بينا هذا في فصول الكنايات وكما لا يصدقه القاضي فكذلك لا يسع المرأة أن تقيم معه إلا بنكاح مستقبل .
وإذا قال لها اختاري ثم طلقها واحدة بائنة بطل الخيار لأنها صارت مالكة أمر نفسها بما أوقع عليها وإنما كانت تختار أمر نفسها لهذا المقصود فلا يتحقق ذلك بعد ما ملكت أمر نفسها .
وكذلك لو قال أنت طالق واحدة بائنة إن شئت فقالت قد شئت سقط الخيار لأنها ملكت أمر نفسها ولو كان الطلاق رجعيا كان الخيار على حالة لأنها بهذا الطلاق لا تصير مالكة أمر نفسها .
وكذلك هذا في الأمر باليد وذكر في الأمالي أنه إذا قال لها اختاري إذا شئت أو امرك بيدك إذا شئت ثم طلقها واحدة بائنة ثم تزوجها فاختارت نفسها أنها لا تطلق في قول أبي يوسف رحمه الله لأن الزوج أوقع بنفسه ما فوض إليها فيكون ذلك إخراجا للأمر من يدها .
وفي قول أبي حنيفة رحمه الله تطلق تطليقة بائنة لأن التفويض قد صح فلا يبطل بزوال الملك إلا أنها بعد زوال الملك كانت لا تتمكن من الاختيار لكونها مالكة أمر نفسها فإذا زال ذلك بالعقد فهي على خيارها .
وما قاله أبو يوسف رحمه الله ضعيف لأن الطلاق متعدد فلا يتعين ما أوقعه الزوج لما فوضه إليها كما لو قال لغيره بع قفيزا من هذه الصبرة ثم باع بنفسه قفيزا لا ينعزل الوكيل .
( قال ) ( وإذا قال لها اختاري الأزواج أو اختاري أهلك أو أبويك فقالت قد اخترت الأزواج أو أبي أو أهلي وقد عنى الزوج الطلاق في القياس لا تطلق ) لأنها ما اختارت نفسها وقد كان القياس في أصل هذا اللفظ أن لا يقع به شيء تركنا القياس لآثار الصحابة رضي الله عنهم وإنما ورد الأثر في اختيارها نفسها فما سوى ذلك يبقى على أصل القياس ولكنه استحسن فقال هي طالق لأن هذا في معنى اختيارها نفسها فإنها إنما تختار الأزواج إذا ملكت أمر نفسها وإنما تتمكن من الرجوع إلى بيت أبيها وأهلها إذا ملكت أمر نفسها فكان هذا في معنى اختيارها بخلاف ما لو قال اختاري أختك أو أخاك أو ذا رحم محرم منك فاختارت ذلك وهو ينوي الطلاق فإن هذا ليس في معنى اختيارها نفسها من كل وجه فيؤخذ فيه بالقياس