والحاصل أن استعمال الكثير المسكر منه حرام مطلقا كما يدل عليه كلام الغاية وأما القليل فإن كان للهو حرم وإن سكر منه يقع طلاقه لأن مبدأ استعماله كان محظورا وإن كان للتداوي وحصل منه إسكار فلا فاغتنم هذا التحرير المفرد .
بقي هنا شيء لم أر من نبه عليه عندنا وهو أنه إذا اعتاد أكل شيء من الجامدات التي لا يحرم قليلها ويسكر كثيرها حتى صار يأكل منها القدر المسكر ولا يسكره سواء أسكره في ابتداءى الأمر أو لا فهل يحرم عليه استعماله نظرا إلى أنه يسكر غيره أو إلى أنه قد أسكره قبل اعتياد أم لا يحرم نظرا إلى أنه طاهر مباح والعلة في تحريمه الإسكار ولم يوجد بعد الاعتياد وإن كان فعله الذي أسكره قبله حراما كمن اعتاد أكل شيء مسموم حتى صار يأكل ما هو قاتل عادة ولا يضره كما بلغنا عن بعضهم فليتأمل .
نعم صرح الشافعية بأن العبرة لما يغيب العقل بالنظر لغالب الناس بلا عادة .
قوله ( وهي ورق القنب ) قال ابن البيطار ومن القنب الهندي نوع يسمى بالحشيشة يسكر جدا إذا تناول منه يسيرا قدر درهم حتى أن من أكثر منه أخرجه إلى حد الرعونة وقد استعمله قوم فاختلت عقولهم وربما قتلت بل نقل ابن حجر عن بعض العلماء أن في أكل الحشيشة مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية ونقل عن ابن تيمية أن من قال بحلها كفر .
قال وأقره أهل مذهبه ا ه .
وسيأتي مثله عندنا .
قوله ( والأفيون ) هو عصارة الخشخاش يكرب ويسقط الشهوتين إذا تمودي عليه ويقتل إلى درهمين ومتى زاد أكله على أربعة أيام ولاءا اعتده بحيث يفضي تركه إلى موته لأنه يخرق الأغشية خروقا لا يسدها غيره كذا في تذكرة داود .
قوله ( لأنه مفسد للعقل ) حتى يصير للرجل فيه خلاعة وفساد جوهرة .
قوله ( وإن سكر ) لأن الشرع أوجب الحد بالسكر من المشروب لا المأكول .
إتقاني .
قوله ( كذا في الجوهرة ) الإشارة إلى قوله ويحرم أكل البنج الخ .
قوله ( وكذا تحرم جوزة الطيب ) وكذا العنبر والزعفران كما في الزواجر لابن حجر المكي وقال فهذه كلها مسكرة ومرادهم بالإسكار هنا تغطية العقل لا مع الشدة المطربة لأنها من خصوصيات المسكر المائع فلا ينافي أنها تسمى مخدرة فما جاء في الوعيد على الخمر يأتي فيها لاشتراكهما في إزالة العقل المقصود للشارع بقاؤه ا ه .
أقول ومثله زهر القطن فإنه قوي التفريح يبلغ الإسكار كما في التذكرة فهذا كله ونظائره يحرم استعمال القدر المسكر منه دون القليل كما قدمناه فافهم .
ومثله بل أولى البرش وهو شيء مركب من البنج والأفيون وغيرهما ذكر في التذكرة أن إدمانه يفسد البدن والعقل ويسقط الشهوتين ويفسد اللون وينقص القوى وينهك وقد وقع به الآن ضرر كثير ا ه .
قوله ( قاله المصنف ) وعبارته ومثل الحشيشة في الحرمة جوزة الطيب فقد أفتى كثير من علماء الشافعية بحرمتها وممن صرح بذلك منهم ابن حجر نزيل مكة في فتاواه والشيخ كمال الدين بن أبي شريف في رسالة وضعها في ذلك وأفتى بحرمتها الأقصراوي من أصحابنا وقفت على ذلك بخطه الشريف لكن قال حرمتها دون حرمة الحشيش والله أعلم ا ه .
أقول بل سيذكر الشارح حرمتها عن المذاهب الأربعة .
قوله ( عن الجامع ) أي جامع الفتاوى .
قوله ( والحشيشة ) عبارة المصنف وهو الحشيشة .
قوله فهو زنديق مبتدع قال في البحر وقد اتفق على وقوع طلاقه أي آكل