! < النجوم لتهتدوا بها > ! الأنعام 97 على أن محاريب الدنيا كلها نصبت بالتحري حتى منى كما نقله في البحر ولا يخفى أن أقوى الأدلة النجوم .
والظاهر أن الخلاف في عدم اعتبارها إنما هو عند وجود المحاريب القديمة إذ لا يجوز التحري معها كما قدمناه لئلا يلزم تخطئة السلف الصالح وجماهير المسلمين بخلاف ما إذا كان في المفازة فينبغي وجوب اعتبار النجوم ونحوها في المفازة لتصريح علمائنا وغيرهم بكونها علامة معتبرة فينبغي الاعتماد في أوقات الصلاة وفي القبلة على ما ذكره العلماء الثقات في كتب المواقيت وعلى ما وضعوه لها من الآلات كالربع والاصطرلاب فإنها إن لم تفد اليقين تفد غلبة الظن للعالم بها وغلبة الظن كافية في ذلك .
ولا يرد على ذلك ما صرح به علماؤنا من عدم الاعتماد على قول أهل النجوم في دخول رمضان لأن ذاك مبني على أن وجوب الصوم معلق برؤية الهلال لحديث صوموا لرؤيته وتوليد الهلال ليس مبنيا على الرؤية بل على قواعد فلكية وهي وإن كانت صحيحة في نفسها لكن إذا كانت ولادته في ليلة كذا فقد يرى فيها الهلال وقد لا يرى والشارع علق الوجوب على الرؤية بالقبلة لا على الولادة هذا ما ظهر لي والله أعلم .
قوله ( وإلا فمن الأهل ) أي وإن لم يكن ثمة محاريب قديمة فيسأل من يعلم بالقبلة ممن تقبل شهادته من أهل ذلك المكان ممن يكن بحضرته بأن يكون بحيث لو صاح به سمعه أما غير العالم بها فلا فائدة في سؤاله وأما غير مقبول الشهادة كالكافر والفاسق والصبي فلعدم الاعتداد بإخباره فيما هو من أمور الديانات ما لم يغلب على الظن صدقه كما في القهستاني ويقبل فيها قول الواحد العدل كما في النهاية وأما إذا لم يكن من أهل ذلك المكان فلأنه يخبر عن اجتهاد فلا يترك اجتهاده باجتهاد غيره وأما إذا لم يكن بحضرته من أهل المسجد أحد فإنه يتحرى ولا يجب عليه قرع الأبواب كما سيأتي وظاهر التقييد بالأهل أن وجوب السؤال خاص بالحضر فلو في مفازة لا يجب .
وفي البدائع ما يخالفه حيث قال فإن كان عاجزا بالاشتباه وهو أن يكون في المفازة في ليلة مظلمة ولا علم له بالأمارات الدالة على القبلة فإن كان بحضرته من يسأله عنها لا يجوز له أن يتحرى بل يجب أن يسأل لما قلنا أي من أن السؤال أقوى من التحري ا ه .
وشرط في الذخيرة كون المخبر في المفازة عالما حيث نقل عن الفقيه أبي بكر أنه سئل عمن في المفازة فأخبره رجلان أن القبلة في جانب ووقع تحريه إلى جانب آخر فقال إن كان في رأيه أنهما يعلمان ذلك يأخذ بقولهما لا محالة وإلا فلا ا ه .
وشرط في الخانية والتجنيس كونهما من أهل ذلك الموضع حيث قال فإن لم يكونا من أهل ذلك الموضع وهما مسافران مثله لا يلتفت إلى قولهما لأنهما يقولان بالاجتهاد فلا يترك اجتهاده باجتهاد غيره ا ه .
والظاهر أن المراد من اشتراط كونهما من أهل ذلك الموضع كونهما عالمين بالقبلة لأن الكلام في المفازة ولا أهل لها إلا أن يراد كونهما من أهل الأخبية فهما من أهله والأهل له علم أكثر من غيره فلا ينافي ما مر عن الذخيرة حتى لو كانا من أهله ولا علم لهما لا يلتفت إلى قولهما فالمناط إنما هو العلم فقد يكونان مسافرين مثله ولكن لهما معرفة بالقبلة في ذلك المكان بكثرة التكرار أو بطريق آخر من طرق العلم مما يفوق على تحري المتحري .
ثم اعلم أن ما نقلناه آنفا عن البدائع من قوله في ليلة مظلمة الخ يقتضي أن الاستدلال بالنجوم في المفازة مقدم على السؤال المقدم على التحري فصار الحاصل أن الاستدلال على القبلة في الحضر إنما يكون بالمحاريب القديمة فإن لم توجد فبالسؤال من أهل ذلك المكان وفي المفازة بالنجوم فإن لم يكن لوجود غيم أو لعدم معرفته بها فبالسؤال من العالم بها فإن لم يكن فيتحرى وكذا يتحرى لو سأله عنها فلم يخبره حتى لو أخبره بعد ما صلى