فيصح أذان غير العاقل كالمجنون والمعتوه والسكران كما يصح أذان الفاسق والمرأة والجنب ويدل عليه ما في البدائع من أنه يكره أذان المجنون والسكران وأن الأحب إعادته في ظاهر الرواية وأنه يكره أذان المرأة والصبي العاقل ويجزي حتى لا يعاد لحصول المقصود وهو الإعلام وروي عن الإمام أنه تستحب إعادة أذان المرأة ا ه .
وعلى هذه الرواية مشى الزيلعي .
وذكر في البدائع أيضا أن أذان الصبي الذي لا يعقل لا يجزي ويعاد لأن ما يصدر لا عن عقل لا يعتد به كصوت الطيور ا ه .
فحصلت المنافاة بين ما جزم به المصنف تبعا للبحر وكذا ما قدمناه عن شرح المنية من عدم صحة أذان غير العاقل كالمجنون والمعتوه والسكران وبين ما في الحاوي والبدائع من صحة أذان الكل سوى صبي لا يعقل .
والذي يظهر لي في التوفيق هو أن المقصود الأصلي من الأذان في الشرع الإعلام بدخول أوقات الصلاة ثم صار من شعار الإسلام في كل بلدة أو ناحية من البلاد الواسعة على ما مر فمن حيث الإعلام بدخول الوقت وقبول قوله لا بد من الإسلام والعقل والبلوغ والعدالة وقدمنا قبل هذا الباب عن ( معين الحكام ) ما نصه المؤذن يكفي إخباره بدخول الوقت إذا كان بالغا عاقلا عالما بالأوقات مسلما ذكرا ويعتمد على قوله ا ه .
والظاهر أن قوله ذكرا غير قيد لقبول خير المرأة .
فحينئذ يقال إذا اتصف المؤذن بهذه الصفات يصح أذانه وإلا فلا يصح من حيث الاعتماد عليه في دخول الوقت وقدمنا أيضا قبل هذا الباب أنه في الفاسق والمستور يحكم رأيه في صدقه وكذبه ويعمل به بخلاف الكافر والصبي والمعتوه فإنه لا يقبل أصلا .
وأما من حيث إقامة الشعار النافية للإثم عن أهل البلدة فيصح أذان الكل سوى الصبي الذي لا يعقل لأن من سمعه لا يعلم أنه مؤذن بل يظن يلعب بخلاف الصبي العاقل لأنه قريب من الرجال ولذا عبر عنه الشارح بالمراهق وكذا المرأة فإن بعض الرجال قد يشبه صوته صوت المراهق والمرأة فإذا أذن المراهق أو المرأة وسمعه السامع يعتد به .
وكذا المجنون أو المعتوه أو السكران فإنه رجل من الرجال فإذا أذن على الكيفية المشروعة قامت به الشعيرة لأنه إذا سمعه غير العالم بحاله يعده مؤذنا وكذا الكافر فباعتبار هذه الحيثية صارت الشروط المذكورة كلها شروط كمال لأن المؤذن الكامل هو الذي تقام بأذانه الشعيرة ويحصل به الإعلام فيعاد أذان الكل ندبا على الأصح كما قدمناه عن القهستاني .
ثم الظاهر أن الإعادة إنما هي في المؤذن الراتب أما لو حضر جماعة عالمون بدخول الوقت وأذن لهم فاسق أو صبي يعقل لا يكره ولا يعاد أصلا لحصول المقصود .
تأمل .
تنبيه يؤخذ مما قدمناه من أنه لا يحصل الإعلام من غير العدل ولا يقبل قوله .
أنه لا يجوز الاعتماد على المبلغ الفاسق خلف الإمام كما نبه عليه بعض الشافعية فتنبه لهذه الدقيقة والله أعلم .
قوله ( لمسافر ) أي سفرا لغويا أو شرعيا كما في أبي السعود ط .
قوله ( ولو منفردا ) لأنه إن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه رواه عبد الرزاق .
وبهذا ونحوه عرف أن المقصود من الأذان لم ينحصر في الإعلام بل كل منه ومن الإعلان بهذا الذكر نشرا لذكر الله ودينه في أرضه وتذكيرا لعباده من الجن والإنس الذين لا يرى شخصهم في الفلوات .
فتح .
وفي تعبير الشارح بالمنفرد إشارة إلى أنه لا يعطى له حكم الإمام من كل وجه ولذا قال في التاتخرانية عن الفتاوى والعتابية ولو أذن وأقام في الصحراء وهو منفرد فحكمه حكم المنفرد في أنه يجمع بين التسميع والتحميد وكذا في الجهر والمخافتة ا ه .
قوله ( لا تركه ) الظاهر أن المراد نفي الكراهة الموجبة للإساءة وإلا فقد صرح في الكنز بعد ذلك بندبه للمسافر وللمصلي في بيته في المصر قال في البحر ليكون الأداء على هيئة الجماعة ا ه .
ولما علمت