أنه لو نزل له وقبض المبلغ ثم أراد الرجوع عليه لا يملك ذلك فقال أي على وجه إسقاط الحق إلحاقا له بالوصية بالخدمة والصلح عن الألف على خمسمائة فإنهم قالوا يجوز أخذ العوض على وجه الإسقاط للحق ولا ريب أن الفارغ يستحق المنزول به استحقاقا خاصا بالتقرير ويؤيده ما في خزانة الأكمل وإن مات العبد الموصى بخدمته بعد ما قبض الموصى له بدل الصلح فهو جائز ا ه .
ففيه دلالة على أنه لا رجوع على النازل وهذا الوجه هو الذي يطمئن به القلب لقربه ا ه .
كلام البيري .
ثم استشكل ذلك بما مر من عدم جواز الصلح عن حق الشفعة والقسم فإنه يمنع جواز أخذ العوض هنا ثم قال ولقائل أن يقول هذا حق جعله الشرع لدفع الضرر وذلك حق فيه صلة ولا جامع بينهما فافترقا وهو الذي يظهر ا ه .
وحاصله أن ثبوت حق الشفعة للشفيع وحق القسم للزوجة وكذا حق الخيار في النكاح للمخيرة إنما هو لدفع الضرر عن الشفيع والمرأة وما ثبت لذلك لا يصح الصلح عنه لأن صاحب الحق لما رضي علم أنه لا يتضرر بذلك فلا يستحق شيئا أما حق الموصى له بالخدمة فليس كذلك بل ثبت له على وجه البر والصلة فيكون ثابتا له أصالة فيصح الصلح عنه إذا نزل عنه لغيره ومثله ما مر عن الأشباه من حق القصاص والنكاح والرق حيث صح الاعتياض عنه لأنه ثابت لصاحبه أصالة لا على وجه رفع الضرر عن صاحبه ولا يخفى أن صاحب الوظيفة ثبت له الحق فيه بتقرير القاضي على وجه الأصالة لا على وجه رفع الضرر فإلحاقها بحق الموصى له بالخدمة وحق القصاص وما بعده أولى من إلحاقها بحق الشفعة والقسم وهذا كلام وجيه لا يخفى على نبيه وبه اندفع ما ذكره بعض محشي الأشباه من أن المال الذي يأخذه النازل عن الوظيفة رشوة وهي حرام بالنص والعرف لا يعارض النص وجه الدفع ما علمت من أنه صلح عن حق كما في نظائره والرشوة لا تكون بحق .
واستدل بعضهم للجواز بنزول سيدنا الحسن ابن سيدنا علي رضي الله تعالى عنهما عن الخلافة لمعاوية على عوض وهو ظاهر أيضا وهذا أولى مما قدمناه في الوقف عن الخيرية من عدم الجواز ومن أن للمفروغ له الرجوع بالبدل بناء على أن المذهب عدم اعتبار العرف الخاص وأنه لا يجوز الاعتياض عن مجرد الحق لما علمت من أن الجواز ليس مبنيا على اعتبار العرف الخاص بلى على ما ذكرنا من نظائره الدالة عليه وأن عدم جواز الاعتياض عن الحق ليس على إطلاقه .
ورأيت بخط بعض العلماء عن المفتي أبي السعود أنه أفتى بجواز أخذ العوض في حق القرار والتصرف وعدم صحة الرجوع .
وبالجملة فالمسألة ظنية والنظائر المتشابهة للبحث فيها مجال وإن كان الأظهر فيها ما قلنا فالأولى ما قاله في البحر من أنه ينبغي الإبراء العام بعده والله سبحانه وتعالى أعلم .
تنبيه ما قلنا في الفراغ عن الوظيفة يقال مثله في الفراغ عن حق التصرف في مشد مسكة الأراضي ويأتي بيانها قريبا وكذا في فراغ الزعيم عن تيماره ثم إذا فرغ عنه لغيره ولم يوجهه السلطان للمفروغ له بل أبقاه على الفارغ أو وجهه لغيرهما ينبغي أن يثبت الرجوع للمفروغ له على الفارغ ببدل الفراغ لأنه لم يرض بدفعه إلا بمقابلة ثبوت ذلك الحق له لا بمجرد الفراغ وإن حصل لغيره وبهذا أفتى في الإسماعيلية والحامدية وغيرهما خلافا لما أفتى به بعضهم عن عدم الرجوع لأن الفارغ فعل ما وسعه وقدرته إذ لا يخفى أنه غير مقصود من