التوبة لا مطلقا ولذا استدرك بقوله لكنهم قالوا هي ردة يعني ليست حدا ثم ذكر أن الوليد روى عن مالك مثل قول أبي حنيفة فصار عن مالك روايتان في قبول التوبة وعدمه والمشهور عنه العدم ولذا قدمه .
وقال في الشفاء في موضع آخر قال أبو حنيفة وأصحابه من برىء من محمد أو كذب به فهو مرتد حلال الدم إلا أن يرجع اه .
فهذا تصريح بما علم من عبارته الأولى .
وقال في موضع بعد أن ذكر عن جماعة من المالكية عدم قبول توبته وكلام شيوخنا هؤلاء مبني على القول بقتله حدا لا كفرا .
وأما على رواية الوليد عن مالك ومن وافقه على ذلك من أهل العلم فقد صرحوا أنه ردة قالوا ويستتاب منها فإن تاب نكل وإن أبى قتل فحكموا له بحكم المرتد مطلقا والوجه الأول أشهر وأظهر اه يعني أن قول مالك بعدم قبول التوبة أشهر وأظهر مما رواه عنه الوليد فهذا كلام الشفاء صريح في أن مذهب أبي حنيفة وأصحابه القول بقبول التوبة كما هو رواية الوليد عن مالك وهو أيضا قول الثوري وأهل الكوفة والأوزاعي في المسلم أي بخلاف الذمي إذا سب فإنه لا ينقض عهده عندهم كما مر تحريره في الباب السابق .
ثم إن ما نقله عن الشافعي المشهور عنه والمشهور قبول التوبة على تفصيل فيه .
قال الإمام خاتمة المجتهدين الشيخ تقي الدين السبكي في كتابه السيف المسلول على من سب الرسول حاصل المنقول عند الشافعية أنه متى لم يسلم قتل قطعا ومتى أسلم فإن كان السب قذفا فالأوجه الثلاثة هل يقتل أو يجلد أو لاشيء وإن كان غير قذف فلا أعرف فيه نقلا للشافعية غير قبول توبته .
وللحنفية في قبول توبته قريب من الشافعية ولا يوجد للحنفية غير قبول التوبة .
وأما الحنابلة فكلامهم قريب من كلام المالكية .
والمشهور عن أحمد عدم قبول توبته وعنه رواية بقبولها فمذهبه كمذهب مالك سواء .
هذا تحرير المنقول في ذلك اه .
ملخصا .
فهذا أيضا صريح في أن مذهب الحنفية القبول وأنه لا قول لهم بخلافه وقد سبقه إلى نقل ذلك أيضا شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية الحنبلي في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول كما رأيته في نسخة منه قديمة عليها خط حيث قال وكذلك ذكر جماعة آخرون من أصحابنا أي الحنابلة أنه يقتل ساب الرسول ولا تقبل توبته سواء كان مسلما أو كافرا وعامة هؤلاء لما ذكروا المسألة قالوا خلافا لأبي حنيفة والشافعي وقولهما أي أبي حنيفة والشافعي وإن كان مسلما يستتاب فإن تاب وإلا قتل كالمرتد .
وإن كان ذميا فقال أبو حنيفة لا ينقض عهده ثم قال بعد ورقة قال أبو الخطاب إذا قذف أم النبي لا تقبل توبته وفي الكافر إذا سبها ثم أسلم روايتان .
وقال أبو حنيفة والشافعي تقبل توبته في الحالين اه .
ثم قال في محل آخر قد ذكرنا أن المشهور عن مالك وأحمد أنه لا يستتاب ولا يسقط القتل عنه وهو قول الليث بن سعد .
وذكر القاضي عياض أنه المشهور من قول السلف وجمهور العلماء وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي .
وحكي عن مالك وأحمد أنه تقبل توبته وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وهو المشهور من مذهب الشافعي بناء على قبول توبته المرتد اه .
فهذا صريح كلام القاضي عياض في الشفاء والسبكي وابن تيمية وأئمة مذهبه على أن مذهب الحنفية قبول التوبة بلا حكاية قول آخر عنهم وإنما حكوا الخلاف في بقية المذاهب وكفى بهؤلاء حجة لو لم يوجد النقل كذلك في كتب مذهبنا التي قبل البزازي ومن تبعه مع أنه موجود أيضا كما يأتي في كلام الشارح قريبا وقد استوفيت الكلام على ذلك في كتاب سميته تنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الأنام أو أحذ أصحابه الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام .
قوله ( ومفاده قبول التوبة ) أقول بل هو صريح ونص في ذلك كما علمته .