أقول بيان ذلك أن الأدلة السمعية أربعة الأولى قطعي الثبوت والدلالة كنصوص القرآن المفسرة أو المحكمة والسنة المتواترة التي مفهومها قطعي .
الثاني قطعي الثبوت ظني الدلالة كالآيات المؤولة .
الثالث عكسه كأخبار الآحاد التي مفهومها قطعي .
الرابع ظنيهما كأخبار الآحاد التي مفهومها ظني .
فبالأول يثبت الفرض والحرام وبالثاني والثالث الواجب كراهة التحريم وبالرابع السنة والمستحب .
ثم إن المجتهد قد يقوى عنده الدليل الظني حتى يصير قريبا عنده من القطعي فما ثبت به يسميه فرضا عمليا لأنه يعامل معاملة الفرض في وجوب العمل ويسمى واجبا نظرا إلى ظنية دليله فهو أقوى نوعي الواجب وأضعف نوعي الفرض بل قد يصل خبر الواحد عنده إلى حد القطعي ولذا قالوا إنه إذا كان متلقى بالقبول جاز إثبات الركن به حتى ثبتت ركنية الوقوف بعرفات بقوله لحج عرفة .
وفي التلويح أن استعمال الفرض فيما ثبت بظني .
والواجب فيما ثبت بقطعي شائع مستفيض فلفظ الواجب يقع على ما هو فرض علما وعملا كصلاة الفجر وعلى ظني هو في قوة الفرض في العمل كالوتر حتى يمنع تذكره صحة الفجر كتذكر العشاء وعلى ظني هو دون الفرض في العمل وفوق السنة كتعيين الفاتحة حتى لا تفسد الصلاة بتركها لكن تجب سجدة السهو ا ه .
وتمام تحقيق هذا المقام في فصل المشروعات من حواشينا على شرح المنار فراجعه فإنك لا تجده في غيرها .
قوله ( فلا يكفر جاحده ) لما في التلويح من أن الواجب لا يلزم اعتقاد حقيقته لثبوته بدليل ظني ومبنى الاعتقاد على اليقين لكن يلزم العمل بموجبه للدلائل الدالة على وجوب اتباع الظن فجاحده لا يكفر وتارك العمل به إن كان مؤولا لا يفسق ولا يضلل لأن التأويل في مظانه من سيرة السلف وإلا فإن كان مستخفا يضلل لأنه رد خبر الواحد والقياس بدعة وإن لم يكن مؤولا ولا مستخفا يفسق لخروجه عن الطاعة بترك ما وجب عليه ا ه .
أقول وما ذكره العلامة الأكمل في العناية من أنا لا نسلم عدم التكفير لجاحد مقدار المسح بلا تأويل لعله مبني على ما ذهب هو إليه كصاحب الهداية من أن الآية مجملة في حق المقدار وأن حديث المغيرة من مسحه عليه الصلاة والسلام بناصيته التحق بيانا لها فيكون ثابتا بقطعي لأن خبر الواحد إذا التحق بيانا للمجمل كان الحكم بعده مضافا للمجمل لا للبيان .
وما رد به في البحر على صاحب الهداية أجبت عنه فيما علقته عليه .
قوله ( غسل الوجه ) الغسل بفتح الغين لغة إزالة الوسخ عن الشيء بإجراء الماء عليه وبضمها اسم لغسل تمام الجسد وللماء الذي يغسل به وبكسرها ما يغسل به الرأس من خطمي وغيره .
بحر .
والمراد الأول وإضافته إلى الوجه من إضافة المصدر إلى مفعوله والفاعل محذوف أي غسل المتوضىء وجهه لكن يرد عليه أن يكون صفة للفاعل وهو غير مشروط إذ لو أصابه الماء من غير فعل كفى فالأولى جعله مصدرا لمبني المجهول على إرادة الحاصل بالمصدر أي مغسولية الوجه .
قال في حواشي المطول المصدر يستعمل في أصل النسبة وفي الهيئة الحاصلة منها للمتعلق معنوية أو حسية كهيئة المتحركية الحاصلة من الحركة وتسمى الحاصل بالمصدر وتلك الهيئة للفاعل فقط في اللازم كالمتحركية والقائمية من الحركة والقيام أو للفاعل والمفعول للمتعدي كالعالمية والمعلومية من العلم واستعمال المصدر بالمعنى الحاصل بالمصدر استعمال الشيء في لازم معناه انتهى أي فهو مجاز مرسل .
قوله ( أي إسالة الماء الخ ) قال في البحر واختلف في معناه الشرعي فقال أبو حنيفة ومحمد هو الإسالة مع التقاطر ولو قطرة حتى لو لم يسل الماء بأن استعمله