باب وجوب الإيمان بالشفاعة .
قال محمد بن الحسين C : اعلموا رحمكم الله أن المنكر للشفاعة يزعم أن من دخل النار فليس بخارج منها وهذا مذهب المعتزلة يكذبون بها وبأشياء سنذكرها إن شاء الله مما لها أصل في كتاب الله D وسنن رسول الله A وسنن الصحابة Bهم ومن تبعهم بإحسان وقول فقهاء المسلمين .
والمعتزلة يخالفون هذا كله لا يلتفتون إلى سنن رسول الله A ولا إلى سنن الصحابة Bهم وإنما يعارضون بمتشابه القرآن وبما أراهم العقل عندهم .
وليس هذا طريق المسلمين وإنما هذا طريق من قد زاغ عن طريق الحق وقد لعب به الشيطان .
وقد حذرنا الله D من هذه صفته وحذرناهم النبي A وحذرناهم أئمة المسلمين قديما وحديثا .
فأما ما حذرنا الله D وأنزله على نبيه A وحذرناهم النبي A فإن الله D قال لنبيه : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب } .
[ حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف بن زياد قال : حدثنا محمد بن أبي عمر العدني قال : حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة Bها أن رسول الله A قرأ : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات } الآية ثم قال : إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله D فاحذروهم ] .
[ حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا يونس بن حبيب الأصبهاني قال : حدثنا أبو داود الطيالسي قال : أنبأنا حماد - يعني ابن سلمة - عن ابن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة Bها قالت : تلا رسول الله A هذه الآية : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات } إلى قوله : { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه } قالت : قال رسول الله A : قد سماهم الله D لكم فإذا رأيتموهم فاحذروهم قالها ثلاثا ] .
[ وحدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا علي بن سهل الرملي قال : حدثنا الوليد بن مسلم عن حماد بن سلمة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة Bها قالت : نزع رسول الله A بهذه الآية : { فيتبعون ما تشابه منه } فقال رسول الله A : قد حذركم الله D فإذا رأيتموهم فاحذروهم ] .
حدثنا أبو محمد الحسن بن علوية القطان قال : حدثنا عاصم بن علي قال : حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله بن الأشج أن عمر بن الخطاب Bه قال : إن ناسا يجادلونكم بشبه القرآن فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله D .
[ وأخبرنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي قال : حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال : حدثنا سعيد بن سليمان قال : حدثنا عبد الواحد بن سليم قال : حدثنا يزيد الفقير قال : كنا بمكة من وطانها وكان معي أخ لي يقول له : طلق بن حبيب وكنا نرى رأي الحرورية فبلغنا أن جابر بن عبد الله الأنصاري قدم وكان يلزم في كل موسم فأتيناه فقلنا له : بلغنا عنك قول في الشفاعة وقول الله D يخالفك فنظر في وجوهنا وقال : من أهل العراق أنتم ؟ فقلنا : نعم فتبسم أو ضحك وقال : أين تجدون في كتاب الله D ؟ قلنا : حيث يقول ربنا D في كتابه : { ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته } وقال D : { يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها } وقوله : { كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها } وأشباه هذا من القرآن فقال : أنتم أعلم بكتاب الله D أم أنا ؟ قلنا : بل أنت أعلم به منا قال : فو الله لقد شهدت تنزيل هذا على رسول الله A ولقد شهدت تأويله من رسول الله A وإن الشفاعة في كتاب الله D لمن عقل قال : قلنا : وأين الشفاعة ؟ قال : في سورة المدثر قال : فقرأ علينا { ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة الشافعين } ثم قال : ترونها حلت لمن لم يشرك بالله شيئا سمعت رسول الله A يقول : إن الله D خلق الخلق ولم يستعن على ذلك أحدا ولم يشاور فيه أحدا ثم أماتهم ولم يستعن على ذلك أحدا ولم يشاور فيه أحدا ثم أحياهم ولم يستعن على ذلك أحدا ولم يشاور فيه أحدا فأدخل من شاء الجنة برحمته وأدخل من شاء النار بذنبه ثم إن الله تبارك وتعالى تحنن على الموحدين فبعث بملك من قبله بماء ونور فدخل النار فنضح فلم يصب إلا من يشاء الله ولم يصب الماء إلا من خرج من الدنيا ولم يشرك بالله شيئا فأخرجهم حتى جعلهم بفناء الجنة ثم رجع إلى ربه D : فأمده بماء ونور فنضح فلم يصب إلا من شاء الله ولم يصب إلا من خرج من الدنيا ولم يشرك بالله شيئا [ إلا أصابه ذلك النضح ] فأخرجهم حتى جعلهم بفناء الجنة ثم أذن للشافعين فشفعوا فأدخلهم الجنة برحمته وشفاعة الشفعاء ] .
حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا سنان بن فروخ قال : حدثنا مبارك بن فضالة قال : حدثنا يزيد بن صهيب قال : مررت بجابر بن عبد الله وهو في حلقة يحدث أناسا فجلست إليه فسمعته يذكر أناسا يخرجون من النار قال : وكنت يومئذ أنكر ذلك قال : قلت : والله ما أعجب من الناس ولكن أعجب منكم أصحاب رسول الله A يقول الله D : { يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم } فانتهرني أصحابه وكان أحلمهم فقال : دعوا الرجل ثم قال : إنما قال الله D : { إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم * يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم } قال : أوما تقرؤون القرآن ؟ { ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } قال : فإن الله D عذب قوما بخطاياهم وإن شاء أن يخرجهم أخرجهم قال : فلم أكذب به بعد ذلك .
قال محمد بن الحسين C : إن المكذب بالشفاعة أخطأ في تأويله خطأ فاحشا خرج به عن الكتاب والسنة .
وذلك أنه عمد إلى آيات من القرآن نزلت في أهل الكفر أخبر الله D : أنهم إذا دخلوا النار أنهم غير خارجين منها فجعلها المكذب بالشفاعة في الموحدين ولم يلتفت الى أخبار رسول الله A في إثبات الشفاعة : أنها إنما هي لأهل الكبائر والقرآن يدل على هذا فخرج بقوله السوء عن جملة ما عليه أهل الإيمان واتبع غير سبيلهم قال الله D : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } .
قال محمد بن الحسين C : فكل من رد سنن رسول الله A وسنن أصحابه فهو ممن شاقق الرسول وعصاه وعصى الله D بتركه قبول السنن ولو عقل هذا الملحد وأنصف من نفسه علم أن أحكام الله D وجميع ما تعبد به خلقه إنما تؤخذ من الكتاب والسنة وقد أمر الله D نبيه A : أن يبين لخلقه ما أنزله عليه مما تعبدهم به فقال جل ذكره : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } .
فقد بين A لأمته جميع ما فرض عليهم من جميع الأحكام وبين لهم أمر الدنيا وأمر الآخرة وجميع ما ينبغي أن يؤمنوا به ولم يدعهم جهلة لا يعلمون حتى أعلمهم أمر الموت والقبر وما يلقى فيه المؤمن وما يلقى فيه الكافر وأمر المحشر والوقوف وأمر الجنة والنار حالا بعد حال يعرفه أهل الحق وسنذكر كل باب في موضعه إن شاء الله .
اعلموا يا معشر المسلمين : أن أهل الكفر لما دخلوا النار ورأوا العذاب الأليم وأصابهم الهوان الشديد نظروا إلى قوم هم من الموحدين معهم في النار فعيروهم بذلك وقالوا : ما أغنى عنكم إسلامكم في الدنيا وأنتم معنا في النار ؟ فزاد أهل التوحيد من المسلمين حزنا وغما فاطلع الله D على ما نالهم من الغم بتعيير أهل الكفر لهم فأذن في الشفاعة فيشفع الأنبياء والملائكة والشهداء والعلماء والمؤمنون فيمن دخل النار من المسلمين فأخرجوا منها على حسب ما أخبرنا رسول الله A على طبقات شتى فدخلوا الجنة فلما فقدهم أهل الكفر ودوا أن لو كانوا مسلمين وأيقنوا أن ليس لهم شافع يشفع لهم ولا صديق حميم يغني عنهم من عذاب الله شيئا قال الله D في أهل الكفر لما نضجوا بالعذاب وعلموا أن الشفاعة لغيرهم قالوا : { فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل } وقال D : { فكبكبوا فيها هم والغاوون * وجنود إبليس أجمعون * قالوا وهم فيها يختصمون * تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين * وما أضلنا إلا المجرمون * فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم } وقال D وقد أخبر أن الملائكة قالت لأهل الكفر : { ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة الشافعين } .
قال محمد بن الحسين C تعالى : هذه كلها أخلاق الكفار فقال الله D : { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } فدل على أن لا بد من شفاعة وأن الشفاعة لغيرهم لأهل التوحيد خاصة ؟ وقال الله جل اسمه : { الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين * ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين } .
قال محمد بن الحسين C : وإنما ود الذين الكفار أن لو كانوا مسلمين : عندما رأوا معهم في النار موحدين قوما فعيروهم وقالوا : ما أغنى عنكم إسلامكم وأنتم معنا في النار فحزنوا من ذلك فأمر الله D الملائكة والأنبياء ومن سائر المؤمنين أن يشفعوا فشفعوا فيهم فشفعوا فأخرج من النار أهل التوحيد ففقدهم أهل الكفر فسألوا عنهم فقيل : شفع فيهم الشافعون لأنهم كانوا مسلمين فعندها ودوا لو كانوا مسلمين حتى تلحقهم الشفاعة .
حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال : أنبأنا إسماعيل بن إبراهيم قال : حدثنا هشام الدستوائي قال : حدثنا حماد قال : سألت إبراهيم عن هذه الآية : { ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين } .
قال : حدثت أن المشركين قالوا لمن دخل النار : ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون ؟ فيغضب الله D لهم فيقول للملائكة والنبيين : اشفعوا فيشفعون فيخرجون من النار حتى إن ! بليس ليتطاول رجاء أن يخرج معهم فعند ذلك ود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الملك بن عمرو قال : حدثنا إبراهيم بن طهمان عن عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عباس في قوله D : { ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين } قال : لا تزال الرحمة والشفاعة حتى يقال : ليدخلن الجنة كل مسلم قال فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .
قال محمد بن الحسين : بطلت حجة من كذب بالشفاعة الويل له إن لم يتب وقد روي عن أنس بن مالك Bه قال : من كذب بالشفاعة فليس له فيها نصيب .
أخبرنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال : حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا أبو معاوية عن عاصم عن أنس بن مالك Bه قال : من كذب بالشفاعة فليس له فيها نصيب