كتاب التصديق بالنظر إلى وجه الله D .
قال محمد بن الحسين C : .
الحمد لله على جميل إحسانه ودوام نعمه حمد من يعلم أن مولاه الكريم يحب الحمد فله الحمد على كل حال وصلى الله على محمد النبي الأمي وسلم وعلى آله أجمعين وحسبي الله ونعم الوكيل .
أما بعد : فإن الله جل ذكره وتقدست أسماؤه خلق خلقه كما أراد لما أراد فجعلهم شقيا وسعيدا .
فأما أهل الشقوة فكفروا بالله العظيم وعبدوا غيره وعصوا رسله وجحدوا كتبه فأماتهم على ذلك فهم في قبورهم يعذبون وفي القيامة عن النظر إلى الله محجوبون وإلى جهنم واردون وفي أنواع العذاب يتقلبون وللشياطين مقارنون وهم فيها خالدون .
وأما أهل السعادة : فهم الذين سبقت لهم من الله الحسنى فآمنوا بالله وحده ولم يشركوا به شيئا وصدقوا القول بالفعل فأماتهم على ذلك فهم في قبورهم ينعمون وعند المحشر يبشرون وفي الموقف إلى الله D بأعينهم ينظرون وإلى الجنة بعد ذلك وافدون وفي نعيمها يتفكهون وللحور العين معانقون والولدان لهم يخدمون وفي جوار مولاهم الكريم أبدا خالدون ولربهم D في داره زائرون وبالنظر إلى وجهه الكريم يتلذذون وله مكلمون وبالتحية لهم من الله D والسلام منه عليهم يكرمون { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم } .
فإن اعترض جاهل ممن لا علم معه أو بعض هؤلاء الجهمية الذين لم يوفقوا للرشاد ولعب بهم الشيطان وحرموا التوفيق فقال : وهل المؤمنون يرون الله D يوم القيامة ؟ .
قيل له : نعم والحمد لله على ذلك .
فإن قال الجهمي : أنا لا أؤمن بهذا .
قيل له : كفرت بالله العظيم .
فإن قال : وما الحجة ؟ .
قيل : لأنك رددت القران والسنة وقول الصحابة Bهم وقول علماء المسلمين واتبعت غير سبيل المؤمنين وكنت ممن قال الله D فيهم : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } .
فأما نص القرآن فقول الله D : { وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة } .
وقال D مخبرا عن الكفار أنهم محجوبون عن رؤيته : { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون * ثم إنهم لصالوا الجحيم * ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون } .
فدل بهذه الآية : أن المؤمنين ينظرون إلى الله D وأنهم غير محجوبين عن رؤيته كرامة منه لهم .
وقال D : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } .
فروي أن ( الزيادة ) هي النظر إلى وجه الله D .
وقال D : { وكان بالمؤمنين رحيما * تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما } .
واعلم - رحمك الله - أن عند أهل العلم باللغة أن اللقي ههنا لا يكون إلا معاينة يراهم الله D ويرونه ويسلم عليهم ويكلمهم ويكلمونه .
قال محمد بن الحسين C : وقد قال الله D لنبيه A : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } .
وكان مما بينه A لأمته في هذه الآيات : أنه أعلمهم في غير حديث : إنكم ترون ربكم D رواه جماعة من صحابته Bهم وقبلها العلماء عنهم أحسن القبول كما قبلوا عنهم علم الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وعلم الحلال والحرام كذا قبلوا منهم الأخبار : أن المؤمنين يرون الله D لا يشكون في ذلك ثم قالوا : من رد هذه الأخبار فقد كفر .
حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال : حدثني مضر القاري قال : حدثنا عبد الواحد بن زيد قال : سمعت الحسن يقول : لو علم العابدون أنهم لا يرون ربهم D لذابت أنفسهم في الدنيا .
حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد العطشي قال : حدثنا أبو حفص عمر بن مدرك القاضي قال : حدثنا مكي بن إبراهيم قال : حدثنا هشام بن حسان عن الحسن قال : إن الله D ليتجلى لأهل الجنة فإذا رآه أهل الجنة نسوا نعيم الجنة .
حدثنا أبو بكر بن أبي داود السجستاني قال : حدثنا يوسف بن موسى القطان قال : حدثنا جرير - يعني ابن عبد الحميد - عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن كعب الأحبار قال : ما نظر الله D إلى الجنة قط إلا قال : طيبي لأهلك فزادت ضعفا على ما كانت حتى يأتيها أهلها وما من يوم كان لهم عيدا في الدنيا إلا يخرجون في مقداره في رياض الجنة فيبرز لهم الرب D فينظرون إليه وتسفي عليهم الريح بالمسك والطيب ولا يسألون ربهم D شيئا إلا أعطاهم حتى يرجعوا وقد ازدادوا على ما كانوا من الحسن والجمال سبعين ضعفا ثم يرجعون إلى أزواجهم وقد ازدادوا مثل ذلك .
حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أحمد بن صالح قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : قال مالك C تعالى الناس ينظرون إلى الله D يوم القيامة بأعينهم .
حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا عبد الوهاب الوراق قال : قلت للأسود بن سالم : هذه الآثار التي تروي معاني النظر إلى الله D ونحوها من الأخبار ؟ فقال : نحلف عليها بالطلاق والمشي قال عبد الوهاب : معناه : نصدق بها .
حدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا محمد بن سليمان لوين قال : قلت لسفيان بن عيينة : هذه الأحاديث التي تروون في الرؤية ؟ فقال : حق على ما سمعناها ممن نثق به .
حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا الفضل بن زياد قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل وبلغه عن رجل أنه قال : إن الله D لا يرى في الآخرة فغضب غضبا شديدا ثم قال : من قال : إن الله عز - وجل لا يرى في الآخرة فقد كفر عليه لعنة الله وغضبه من كان من الناس أليس الله جل ذكره قال : { وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة } وقال D : { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } هذا دليل على أن المؤمنين يرون الله D .
حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا حنبل بن إسحاق بن حنبل قال : سمعت أبا عبد الله يقول قالت الجهمية : إن الله D لا يرى في الآخرة قال الله D : { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } فلا يكون هذا إلا أن الله D يرى وقال D : { وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة } فهذا النظر إلى الله D والأحاديث التي رويت عن النبي A : [ إنكم ترون ربكم ] بروايات صحيحة وأسانيد غير مدفوعة والقرآن شاهد أن الله D يرى في الآخرة .
حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا محمد بن يحيى بن عبد الكريم الأزدي قال : حدثنا علي بن الحسن بن شقيق قال : سمعت عبد الله بن المبارك يقول : إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية .
حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : حدثنا أبو داود السجستاني قال : سمعت أحمد بن حنبل - وذكر عنده شيء من الرؤية - فغضب وقال : من قال : إن الله D لا يرى فهو كافر .
حدثنا أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان قال : حدثنا العباس بن محمد الدوري قال : سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول - وذكر عنده هذه الأحاديث في الرؤية - فقال : هذه عندنا حق نقلها الناس بعضهم عن بعض .
قال محمد بن الحسين C : فمن رغب عما كان عليه هؤلاء الأئمة الذين لا يستوحش من ذكرهم وخالف الكتاب والسنة ورضي بقول جهم وبشر المريسي وبأشباههما فهو كافر .
وأما مما تأدى إلينا من التفسير في بعض ما تلوته مما حضرني ذكره : فأنا أذكره ثم أذكر السنن الثابتة في النظر إلى الله D مما تقوى به قلوب أهل الحق وتقر به أعينهم وتذل به نفوس أهل الزيغ وتسخن به أعينهم في الدنيا والاخرة .
حدثنا أبو شعيب عبد الله بن حسن الحراني قال : حدثنا محمد بن حاتم قال : أخبرنا علي بن عاصم قال : أخبرني موسى بن عبيدة الربذي عن محمد بن كعب القرظي في قول الله D : { وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة } قال : نضر الله تلك الوجوه وحسنها للنظر إليه .
حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن يحيى بن عثمان قال : حدثنا أبو سمرة قال : حدثنا علي بن ثابت عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب في قول الله D : { وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة } قال : نضرها الله D للنظر إليه .
حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا يعقوب بن سفيان و داود بن سليمان أن أبا نعيم الفضل بن دكين حدثهم عن سلمة بن سابور عن عطية العوفي عن ابن عباس Bهما في قول الله D : { وجوه يومئذ ناضرة } يعني حسنها { إلى ربها ناظرة } قال : نظرت إلى الخالق D .
حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن عبد الملك و عبد الله بن محمد بن خلاد قالا : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا المبارك عن الحسن في قول الله D : { وجوه يومئذ ناضرة } قال : النضرة : الحسن { إلى ربها ناظرة } قال : نظرت إلى ربها D فنضرت لنوره .
حدثنا عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا الحسن بن الصباح قال : حدثنا علي بن الحسن بن شقيق قال : حدثنا الحسين بن واقد قال : أخبرنا يزيد النحوي عن عكرمة في قول الله D : { وجوه يومئذ ناضرة } قال : من النعيم { إلى ربها ناظرة } قال : تنظر إلى ربها D نظرا .
حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن منصور قال : أخبرنا علي بن الحسن بن شقيق قال : حدثنا الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة في قول الله D : { وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة } قال : تنظر إلى الله D نظرا .
حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أحمد بن الأزهر قال : حدثنا إبراهيم بن الحكم قال : حدثنا أبي عن عكرمة قال : قيل لابن العباس Bهما : كل من دخل الجنة يرى الله D ؟ قال : نعم .
حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال : حدثنا على بن عبد الله المديني قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : حدثنى زكريا عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد البجلي عن أبي بكر الصديق Bه في قول الله D : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } قال : النظر إلى وجه الله D .
حدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن أبي بكر الصديق Bه في قول الله D : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } قال : الزيادة : النظر إلى وجه الله D .
أخبرنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال : حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن أبي بكر الصديق Bه وعن أبي إسحاق عن مسلم بن نذير عن حذيفة Bه في قول الله D : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } قالا : النظر إلى وجه الله D .
قال محمد بن الحسين C : وأما السنن فإني سأذكر ما روى صحابي صحابي على الانفراد ليكون أوعى لمن سمعه وأراد حفظه إن شاء الله