باب ترك البحث والتنفير عن النظر في أمر المقدر بكيف ؟ ولم ؟ بل الإيمان به والتسليم .
[ حدثنا أبو العباس سهل بن أبي [ سهل ] الواسطي قال : أخبرنا أبو حفص عمرو بن علي قال : حدثنا يحيى بن عمر القرشي - سنة ثمانين ومائة سمعته منه - قال : حدثنا يحيى بن عبد الله بن أبي مليكة عن أبيه عن عائشة Bها قالت : قال رسول الله A : من تكلم بالقدر سئل عنه ومن لم يتكلم فيه لم يسأل عنه ] .
وحدثنا أبو [ العباس ] سهل بن أبي سهل أيضا قال : حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا حماد بن مسعدة قال : حدثني ابن زياد أبو عمرو قال : حدثني محمد بن إبراهيم القرشي عن أبيه قال : كنت جالسا عند ابن عمر Bهما فسئل عن القدر ؟ فقال : شيء أراد الله D ألا يطلعكم عليه فلا تريدوا من الله D ما أبى عليكم .
قال محمد بن الحسين C : هذا معنى ما قال عمر بن عبد العزيز في رسالته لأهل القدر قوله : فلئن قلتم : قد قال الله D في كتابه كذا وكذا يقال لهم : لقد قرؤوا منه - يعني الصحابة - ما قد قرأتم وعلموا من تأويله ما جهلتم ثم قالوا بعد ذلك : كله كتاب وقدر وكتب الشقوة وما قدر يكن وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا ثم رغبوا بعد ذلك ورهبوا والسلام .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع عن سفيان الثوري عن داود بن أبي هند : أن عزيرا سأل ربه D عن القدر ؟ فقال : سألتني عن علمي عقوبتك ألا أسميك في الأنبياء .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا جعفر بن سليمان عن أبي عمران الجوني عن نوف البكالي قال : قال عزير فيما ناجى به ربه : يارب تخلق خلقا فتضل من تشاء وتهدي من تشاء قال : قيل له : ياعزير أعرض عن هذا قال : فعاد فقال : يا رب تخلق خلقا فتضل من تشاء وتهدي من تشاء ؟ قال : قيل له : ياعزير أعرض عن هذا { وكان الإنسان أكثر شيء جدلا } فعاد فقال : يا عزير لتعرضن عن هذا أو لأمحونك من النبوة إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون .
[ حدثني أبو عبد الله جعفر بن إدريس القزويني قال : حدثنا أبو يوسف يعقوب بن إسحاق القزويني الصواف قال : حدثنا سهل بن عثمان العسكري قال : حدثنا سعيد بن النعمان عن نهشل عن الضحاك بن عثمان قال : وافيت الموسم فلقيت في مسجد الخيف - ذكر جماعة - قال : ورأيت طاوسا اليماني فسمعته يقول لرجل : إن القدر سر الله D فلا تدخلن فيه ولقد سمعت أبا الدرداء Bه يحدث عن نبيكم A : أن موسى عليه السلام لما خرج من عند فرعون متغير الوجه إذ استقبله ملك من خزان النار وهو يقلب كفيه متعجبا لما قال له الروح الأمين : إن ربك أرسلك إلى فرعون مع أنه قد طبع على قلبه فلن يؤمن قال : يا جبريل فدعائي ما هو ؟ قال : امض لما أمرت قال : صدقت ثم قال : يا موسى نحن اثنا عشر ملكا من خزان النار وقد جهدنا على أن نسأل في هذا الأمر فأوحي إلينا : أن القدر سر الله D فلا تدخلوا فيه ] .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أخبرنا كلثوم بن جبير عن وهب بن منبه أنه قال : أجد في التوراة أو في الكتاب أنا الله لا اله إلا أنا خالق الخلق خلقت الخير والشر وخلقت من يكون الخير على يديه فطوبى لمن خلقته ليكون الخير على يديه وويل لمن خلقته ليكون الشر على يديه .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن مسافع الحاجب أنه قال : وجدوا حجرا حين نقضوا البيت فيه ثلاثة صفوح فيها كتاب من كتب الأول فدعي لها رجل فقرأها فإذا في صفح منها ؟ أنا الله ذو بكة صنعتها يوم صنعت الشمس والقمر حففتها بسبعة أملاك وباركت لأهلها في اللحم والماء وفي الصفح الآخر : أنا الله ذو بكة خلقت الرحم واشتققت لها من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته وفي الصفح الثالث أنا الله ذو بكة خلقت الخير والشر فطوبى لمن كان الخير على يديه وويل لمن كان الشر على يديه .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا سويد بن سعيد قال : حدثنا يوسف بن سهل الواسطي قال : حججت فسمعت رجلا يلبي يقول في تلبيته : لبيك لبيك والشر ليس إليك فلما دخلت مكة لقيت سفيان فآخبرته بالذي سمعت فما زادني على أن قال : { قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق } .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا قطن بن نسيز قال : حدثنا جعفر بن سليمان قال : حدثنا أبو سنان قال : اجتمع وهب بن منبه و عطاء الخراساني بمكة فقال عطاء يا أبا عبد الله ما كتب بلغني أنها كتبت عنك في القدر ؟ فقال وهب : ما كتبت كتبا ولا تكلمت في القدر ثم قال وهب : قرأت نيفا وسبعين من كتب الله D منها نيف وأربعون ظاهرة في الكنائس ومنها نيف وعشرون لا يعلمها إلا قليل من الناس فوجدت فيها كلها : أن من وكل إلى نفسه شيئا من المشيئة فقد كفر .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثني أبو حفص عمر بن عثمان الحمصي قال : حدثنا بقية بن الوليد قال : حدثنا أبو عمرو - بعني الآوزاعي - قال : حدثني العلاء بن الحجاج عن محمد بن عبيد المكي عن ابن عباس Bهما قال : قيل له : إن رجلا قدم علينا يكذب بالقدر فقال : دلوني عليه - وهو يومئذ أعمى - فقالوا : وما تصنع به ؟ فقال : والذي نفسي بيده لئن استمكنت منه لأعضن أنفه حتى أقطعه ولئن وقعت رقبته في يدي لأدقنها والذي نفسي بيده لا ينتهي بهم سوء رأيهم حتى يخرجوا الله D من أن يكون قدر الخير كما أخرجوه من أن يقدر الشر .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثني عمرو بن عثمان الحمصي قال : حدثنا بقية قال : حدثنا أبو عمرو الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة قال : علم الله D ما هو خالق وما الخلق عاملون ثم كتبه ثم قال لنبيه A : { ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير } .
و [ أخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو أنس مالك بن سليمان الألهاني الحمصي قال : حدثنا بقية بن الوليد عن أرطأة بن المنذر عن مجاهد بن جبر أنه بلغه عن ابن عمر Bهما أن رسول الله A قال : أول شيء خلقه الله D الفلم فأخذه بيمينه - وكلتا يديه يمين - قال : فكتب الدنيا وما يكون فيها من عمل معمول بر أو فجور رطب أو يابس وأحصاه عنده في الذكر ثم قال : اقرؤوا إن شئتم : { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } فهل يكون النسخ إلا من أمر فرغ منه ؟ ] .
قال محمد بن الحسين C : فهذا طريق أهل العلم : الإيمان بالقدر خيره وشره واقع من الله D بمقدور جرى به يضل من يشاء ويهدي من يشاء { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } .
وأما الحجة في ترك مجالسة القدرية وأنهم لا يفاتحون الكلام ولا المناظرة إلا عند الضرورة بإثبات الحجة عليهم وتبكيتهم أو يسترشد منهم مسترشد فيرشد ويوقف على طريق الحق ويحذر طريق الباطل فلا بأس بالبيان على هذا النعت .
وسأذكر في ذلك ما يدل على ما قلت إن شاء الله والله الموفق لكل رشاد .
[ أخبرنا الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن راهويه قال : أخبرنا المقري عبد الله بن يزيد قال : حدثني سعيد بن أبي أيوب عن عطاء بن دينار عن حكيم بن شريك الهذلي عن يحيى بن ميمون الحضرمي عن ربيعة الجرشي عن أبي هريرة Bه عن عمر بن الخطاب Bه عن رسول الله A قال : لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم ] .
حدثنا أبو العباس سهل بن أبي سهل الواسطي قال : حدثنا أبو حفص عمرو ابن علي قال : حدثنا عبد الله بن يزيد المقري قال : حدثني سعيد بن أبي أيوب - وذكر الحديث مثله سواء - .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن داود قال : حدثنا أحمد بن صالح قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : حدثني الليث بن سعد عن عبيد الله بن عمر قال : كنا نجالس يحيى بن سعيد فيسرد علينا مثل اللؤلؤ فإذا طلع ربيعة قطع يحيى الحديث إعظامأ لربيعة فبينما نحن يوما يحدثنا تلا هذه الاية : { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم } فقال له جميل بن نباتة العراقي وهو جالس معنا : يا أبا محمد أرأيت السحر من تلك الخزائن ؟ فقال يحيى : سبحان الله ما هذا من مسائل المسلمين فقال عبد الله بن أبي حبيبة : إن أبا محمد ليس بصاحب خصومة ولكن علي ما قيل : أما أنا فأقول : إن السحر لا يضر إلا بإذن الله أفتقول أنت ذلك ؟ فسكت كأنما سقط عن جبل .
أخبرنا إبراهيم بن الهيثم الناقد قال : حدثنا محمد بن بكار قال : حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمر بن محمد العمري قال : جاء رجل إلى سالم بن عبد الله فقال : رجل زنى فقال سالم : يستغفر الله ويتوب إليه فقال الرجل : الله قدره عليه ؟ فقال سالم : نعم قال : ثم أخذ قبضة من الحصى فضرب بها وجه الرجل وقال : قم .
حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أيوب شيخ لنا قال : حدثنا إسماعيل بن أبي عمرو البجلي قال : حدثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده قال : أتى رجل علي بن أبي طالب Bه فقال : أخبرني عن القدر ؟ قال : طريق مظلم فلا تسلكه قال : أخبرني عن القدر ؟ قال : بحر عميق فلا تلجه قال : أخبرني عن القدر ؟ قال : سر الله D فلا تكلفه ثم ولى الرجل غير بعيد ثم رجع فقال : لعلي في المشيئة الأولى : أقوم وأقعد وأقبض وأبسط ؟ فقال علي Bه : إني سائلك عن ثلاث خصال ولن يجعل الله لك ولا لمن ذكر المشيئة مخرجا أخبرني : أخلقك الله لما شاء أو لما شئت ؟ قال : بل لما شاء قال : أخبرني : أفتجيء يوم القيامة كما شاء أو كما ثسئت ؟ قال : بل كما شاء قال : أخبرني : أخلقك الله كما شاء أو كما شئت ؟ قال : لا كما شاء قال : فليس لك من المشيئة شيء .
حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أحمد بن صالح قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال : قال لنا طاوس : أخروا معبدا الجهني فإنه كان قدريا يتكلم في القدر .
حدثنا الفريابي قال : أخبرنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا سفيان عن عمرو قال : قال لنا طاوس : أخروا معبدا الجهني فإنه كان يتكلم في القدر .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرني يحيى بن سعيد عن أبي الزبير : أنه كان مع طاوس يطوف بالبيت فمر معبد الجهني فقال قائل لطاوس : هذا معبد الجهني فعدل إليه فقال : أنت المفتري على الله القائل ما لا تعلم ؟ قال : إنه يكذب علي قال أبو الزبير : فعدلت مع طاوس حتى دخلنا على ابن عباس Bهما فقال له طاوس : يا أبا عباس : الذين يقولون في القدر ؟ قال : أروني بعضهم قلنا : صانع ماذا ؟ قال : إذا أضع يدي في رأسه فأدق عنقه .
حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن شاهين قال : حدثنا عمار بن خالد الواسطي قال : حدثنا مرحرم بن عبد العزيز العطار قال : سمعت أبي وعمي يقولان : سمعنا الحسن ينهى عن مجالسة معبد الجهني ويقول : لا تجالسه قال : وقال أبي : لا أعلم يومئذ أحدا يتكلم في القدر غير معبد ورجل من الأساورة يقال له سيسفوه .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن مصفى قال : حدثنا بقية قال : حدثني محمد بن نافع الثقفي عن محمد بن عبيد بن أبي عامر المكي قال : لقيت غيلان بدمشق مع نفر من قريش فسألوني في أن أكلمه فقلت له : اجعل لي عهد الله وميثاقه ألا تغضب ولا تجحد ولا تكتم قال : فذلك لك فقلت : نشدتك الله هل في السموات والأرض شيء قط من خير أو شر لم يشاء الله ولم يعلمه حتى كان ؟ قال غيلان : اللهم لا قلت : فعلم الله D بالعباد كان قبل أو بعد أعمالهم ؟ قال غيلان : بل كان علمه قبل أعمالهم قلت : فمن أين كان علمه بهم من دار كانوا فيها قبله ؟ جبلهم في تلك الدار غيره وأخبر الذي جبلهم في الدار عنهم غيره أم من دار جبلهم هو فيها وخلق لهم القلوب التي يهوون بها المعاصي ؟ قال غيلان : بل من دار جبلهم هو فيها وخلق لهم القلوب التي يهوون بها المعاصي قلت : انظر ما تقول ؟ هل معها غيرها ؟ قلت : نعم قلت : فهل كان إبليس يحب أن يعصي الله D جميع خلقه ؟ قال : فلما عرف الذي أريد سكت فلم يرد علينا شيئا .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا نصر بن عاصم قال حدثنا الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول أنه قال : حسب غيلان الله لقد ترك هذه الأمة في مثل لجج البحار .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا نصر قال : حدثنا الوليد عن ابن جابر قال : سمعت مكحولا يقول : ويحك يا غيلان لا تموت إلا مفتونا .
قال محمد بن الحسين C : .
فإن قال قائل : من أئمة القدرية في مذاهبهم ؟ .
قيل له : قد أجل الله D المسلمين عن مذاهبهم وإنما أئمتهم في مذاهبهم القذرة : معبد الجهني بالبصرة وقد رد عليه الصحابة والتابعون ما قد تقدم ذكرنا له وقبله رجل من أهل العراق كان نصرانيا فأسلم ثم تنصر فأخذ عنه معبد الجهني القدر كذا قال الأوزاعي C وأخذ غيلان عن معبد .
وقد تقدم ذكرنا لقصة غيلان وما عجل الله D له من الخزي في الدنيا وما له في الآخرة أعظم وعمرو بن عبيد وما ذمه العلماء وهجوه وكفروه وهؤلاء أئمتهم الأنجاس الأرجاس .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا صفوان بن صالح قال : حدثنا محمد بن شعيب قال : سمعت الأوزاعي C يقول : أول من نطق في القدر : رجل من أهل العراق يقال له : سوسن كان نصرانيا فأسلم ثم تنصر فأخذ عنه معبد الجهني وأخذ غيلان عن معبد .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال : حدثنا أنس بن عياض قال : أرسل إلي عبد الله بن يزيد بن هرمز فقال : لقد أدركت وما بالمدينة أحد يتهم بالقدر إلا رجل من جهينة يقال له : معبد الجهني فعليكم بدين العواتق اللائي لا يعرفن إلا الله D .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا معاذ بن معاذ قال : سمعت ابن عون يقول : أول من تكلم من الناس في القدر بالبصرة معبد الجهني وأبو يونس الأسوار .
وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا مرحوم بن عبدالعزيز عن أبيه و عمه سمعتهما يقولان : سمعنا الحسن وهو ينهى عن مجالسة معبد الجهني ويقول : لا تجالسوه فإنه ضال مضل .
قال محمد بن الحسين C : ثم اعلموا - رحمنا الله وإياكم - أن القدري لا يقول : اللهم وفقني ولا يقول : اللهم اعصمني ولا يقول : ولا حول ولا قوة إلا بالله لأن عنده : أن المشيئة إليه إن شاء أطاع وإن شاء عصى واحذروا مذاهبهم لا يفتنوكم عن دينكم .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا عمر [ و ] بن علي قال : سمعت معاذ بن معاذ يقول : صليت أنا و عمر [ و ] بن الهيثم الرقاشي خلف الربيع بن برة قال معاذ : أخبرني عمر بن الهيثم : أنه حضرته الصلاة مرة أخرى فصلى خلفه قال : فقعدت أدعو فقال : لعلك ممن يقول : اللهم اعصمني ؟ قال معاذ : فأعدت تلك الصلاة بعد عشرين سنة .
قال محمد بن الحسين C : وكان الربيع بن برة هذا قدريا وكان من المتعبدين عندهم .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا عمر [ و ] بن علي قال : سمعت معاذ بن معاذ يقول : أخبرني عمرو بن الهيثم قال : خرجت في سفينة إلى الأبلة أنا وقاضيها هبيرة بن العديس قال : وصحبنا في السفينة مجوسي وقدري قال : فقال القدري للمجوسي : أسلم فقال المجوسي : حتى يريد الله فقال القدري : الله يريد والشيطان لا يدعك قال : يقول المجوسي : أراد الله وأراد الشيطان فكان ما أراد الشيطان هذا شيطان قوي .
قال محمد بن الحسين C : هذا كلام ذكره الفريابي بالفارسية عن القدري والمجوسي ثم فسره لنا الفريابي بهذا المعنى أو نحوه .
قال أبو الفضل العباس بن يوسف الشكلي : قال بعض العلماء مسألة يقطع بها القدري .
يقال له : أخبرنا : أراد الله D من العباد أن يؤمنوا فلم يقدر أو قدر ولم يرده ؟ .
فإن قال : قدر فلم يرد قيل له : فمن يهدي من لم يرد الله هدايته ؟ فإن قال : أراد فلم يقدر قيل له : لا يشك جميع الخلق أنك قد كفرت يا عدو الله .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو تقي هشام بن عبد الملك قال : حدثنا بقية بن الوليد قال : حدثني أبو غياث قال : بينا أنا أغسل رجلا من أهل القدر قال : فتفرقوا عني فبقيت أنا وحدي فقلت : ويل للمكذبين بأقدار الله قال : فانتفض حتى سقط عن دفه قال : فلما دفناه عند باب الشرقي فرأيت في ليلتي تلك في منامي كأني منصرف من المسجد إذا بجنازة في السوق يحملها حبشيان رجلاها بين يديها فقلت : ما هذا ؟ قالوا : فلان قلت : سبحان الله أليس قد دفناه عند باب الشرقي ؟ قال : دفنتموه في غير موضعه فقلت : والله لأتبعنه حتى أنظر ما يصنع به فلما أن خرجوا به من باب اليهود مالوا به إلى نواويس النصارى فأتوا قبرا منها فدفنوه فيه فبدت لي رجلاه فإذا هو أشد سوادا من الليل .
أخبرنا الفريابي قال : حدثني أحمد بن أبي الحواري - إملاء علي - قال : قلت لأبي سليمان الداراني : من أراد الحظوة فليتواضع بالطاعة فقال لي : ويحك وأي شيء التواضع ؟ إنما التواضع أن لا تعجب بعملك وكيف يعجب عاقل بعمله ؟ وإنما يعد العمل نعمة من الله D ينبغي أن يشكر الله D عليها ويتواضع إنما يعجب بعمله القدري الذي يزعم أنه يعمل فاما من زعم أنه يستعمل فكيف يعجب ؟ .
قال محمد بن الحسين C : يقال للقدري : يا من لعب به الشيطان يا من ينكر أن الله D خلق الشر أليس إبليس أصل كل شر ؟ أليس الله D خلق الشياطين وأرسلهم على من أراد ليضلوهم عن طريق الرشد ؟ فأي حجة لك يا قدري ؟ يا من قد حرم التوفيق أليس الله D قال : { وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين } وقال D : { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون } وقال D : { ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا } .
حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا خلف بن هشام البزاز قال : حدثنا أبو شهاب - يعني الحناط - عن الأعمش عن خيثمة و عمارة بن عمير عن مسروق قال : دخلت أنا وأبو عطية على عائشة Bها فقلنا لها : يا أم المؤمنين إن أبا عبد الرحمن - يعني ابن مسعود Bه - يقول : من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه فأينا يحب الموت ؟ فقالت : يرحم الله ابن أم عبد حدث أول الحديث وأمسك عن آخره ثم أنشأت تحدث فقالت : إذا أراد الله D بعبد خيرا بعث إليه ملكا قبل موته بعام يسدده ويوفقه حتى يموت على خير أحايينه فيقول الناس : مات فلان على خير أحايينه فإذا حضر ورأى ما أعد له جعل تتهوع نفسه من الحرص على أن تخرج هناك : أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وإذا أراد بعبد غير ذلك قيض الله له شيطانا قبل موته يغويه ويصده حتى يموت على شر أحايينه فيقول الناس : مات فلان على شر أحايينه فإذا حضر ورأى ما أعد له جعل يتبلع نفسه كراهية أن تخرج هناك كره لقاء الله وكره الله لقاءه .
أخبرنا الفريابى قال : حدثنا عثمان بن أبى شيبة قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن خيثمة عن أبي عطية قال : دخلت أنا ومسروق على عائشة Bها فذكر لها قول عبد الله بن مسعود Bها : من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه فقالت عائشة Bها : يرحم الله أبا عبد الرحمن حدثكم أول الحديث ولم تسألوه عن آخره وسأحدثكم عن ذلك : إن الله D إذا أراد بعبد خيرا قيض له قبل موته ملكا يسدده ويبشره حتى يموت وهو على خير ما كان ويقول الناس : مات فلان على خير ما كان فإذا حضر ورأى ثوابه من الجنة فجعل تتهوع نفسه ود لو خرجت نفسه فذاك حين أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وإذا أراد بعبد شرا قيض له شيطانا قبل موته بعام فجعل يفتنه ويضله حتى يموت على شر ما كان ويقول الناس : مات فلان على شر ما كان فإذا حضر ورأى منزله من النار فجعل يتبلع نفسه أن تخرج هناك حين كره لقاء الله وكره الله لقاءه .
حدثنا أبو محمد جعفر بن أحمد بن عاصم الدمشقي قال : حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال : حدثنا عبد الله بن جحر قال : قال عبد الله بن المبارك - يعني لرجل سمعه - يقول : ما أجرأ فلانا على الله فقال : لا تقل ما أجرأ فلانأ على الله فإن الله D أكرم من أن يجترأ عليه ولكن قل : ما أغر فلانا بالله قال : فحدثت به أبا سليمان الداراني فقال : صدق ابن المبارك الله D أكبر من أن يجترأ عليه ولكنهم هانوا عليه فتركهم ومعاصيهم ولو كرموا عليه لمنعهم منها .
حدثنا ابن صاعد يحيى بن محمد بن يحيى أبو محمد قال : حدثنا الحسن بن الحسين المروزي قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا شريك عن سلام عن سعيد بن جبير Bه في قول الله تعالى : { أولي الأيدي والأبصار } قال : الأيدي : القوة في العمل والأبصار : بصرهم ما هم فيه من دينهم .
قال محمد بن الحسين C تعالى : فإن اعترض بعض هؤلاء القدرية بتأويله الخطأ فقال : قال الله D : { ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } فيزعم أن السيئة من نفسه دون أن يكون الله D قضاها وقدرها عليه .
قيل له : يا جاهل إن الذي أنزلت عليه هذه الآية هو أعلم بتأويلها منك وهو الذي بين لنا جميع ما تقدم ذكرنا له من إثبات القدر وكذلك الصحابة الذين شاهدوا التنزيل Bهم هم الذين بينوا لنا ولك إثبات المقادير بكل ما هو كائن من خير وشر .
وقيل له : لو عقلت تأويلها لم تعارض بها ولعلمت أن الحجة عليك لا لك فإن قال : كيف ؟ قيل له : قوله D : { ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } أليس الله أصابه بها : خيرا كان أو شرا ؟ فاعقل يا جاهل أليس قال الله D : { نصيب برحمتنا من نشاء } وقال D : { أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون } وقال D : { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير } وهذا في القرآن كثير .
ألا ترى أن الله D يخبرنا أن كل مصيبة تكون بالعباد من خير أو شر فالله D يصيبهم بها وقد كتب مصابهم في عالم قد سبق وجرى به القلم على حسب ما تقدم ذكرنا له .
فاعقلوا يا مسلمين فإن القدري محروم من التوفيق .
وقد روي : أن هذه الآية التي يحتج بها القدري في قراءة عبد الله بن مسعود و أبي بن كعب : ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك ) .
أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال : حدثنا محمد بن بكار قال : حدثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه قال : في قراءة عبد الله و أبي بن كعب : ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك ) .
أخبرنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد و عبد الأعلى بن حماد قالا : حدثنا المعتمر بن سليمان عن حميد الطويل عن ثابت عن الحسن بن علي Bهما قال : قضي القضاء وجف القلم وأمور تقضى في كتاب قد خلا .
[ أخبرنا الفريابي قال : حدثني أبو بكر محمد بن إسحاق قال : حدثنا أصبغ بن الفرج قال : أخبرني ابن وهب قال : أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة Bه قال : أتيت رسول الله فقلت : إني رجل شاب وأنا أخاف على نفسي العنت ولا أجد ما أتزوج به النساء فائذن لي أختصي قال : فسكت عني ثم قلت مثل ذلك فسكت عني ثم قلت مثل ذلك فسكت عني ثم قلت مثل ذلك فقال رسول الله A : يا أبا هريرة قد جف القلم بما أنت لاق فاختص على ذلك أو ذر ] .
قال محمد بن الحسين C : ثم اعلموا - رحمنا الله وإياكم - أن الله D أمر العباد باتباع صراطه المستقيم وأن لا يعوجوا عنه يمينا ولا شمالا فقال جل ذكره : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } ثم قال D : { لمن شاء منكم أن يستقيم } ففي الظاهر : أنه جل ذكره أمرهم بالاستقامة واتباع سبيله وجعل في الظاهر إليهم المشيئة ثم أعلمهم بعد ذلك : أنكم لن تشاءوا إلا أن أشاء أنا لكم ما فيه هدايتكم وأن مشيئتكم تبع لمشيئتي فقال D : { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين } .
فأعلمهم أن مشيئتهم تبع لمشيئته D .
وقال D : { قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } وقال D : { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } .
قال محمد بن الحسين C تعالى : انقطعت حجة كل قدري قد لعب به الشيطان فهو في غيه يتردد والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به .
( وبعد ) فقد اجتهدت وبينت في إثبات القدر بما قال الله D وبما قال الرسول A المبين عن الله D ما أنزله في كتابه وذكرت قول الصحابة Bهم وقول التابعين وكثير من أئمة المسلمين على معنى الكتاب والسنة .
فمن لم يؤمن بهدا فهو ممن قال الله D فيهم : { ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون }