باب ذكر الاستثناء في الإيمان من غير شك فيه .
قال محمد بن الحسين C : من صفة أهل الحق ممن ذكرنا من أهل العلم : الاستثناء في الإيمان لا على جهة الشك نعوذ بالله من الشك في الإيمان ولكن خوف التزكية لأنفسهم من الاستكمال للإيمان لا يدري أهو ممن يستحق حقيقة الإيمان أم لا وذلك أن أهل العلم من أهل الحق إذا سئلوا : أمؤمن أنت ؟ قال : آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار وأشباه هذا والناطق بهذا والمصدق به في قلبه مؤمن وإنما الاستثناء في الإيمان لايدرى أهو ممن يستوجب مانعت الله D به المؤمنين من حقيقة الإيمان أم لا ؟ هذا طريق الصحابة Bهم والتابعين لهم بإحسان عندهم أن الاستثناء في الأعمال لا يكون في القول والتصديق بالقلب ؟ وإنما الاستثناء في الأعمال الموجبة لحقيقة الإيمان والناس عندهم على الظاهر مؤمنون به يتوارثون وبه يتناكحون وبه تجري أحكام ملة الإسلام ولكن الاستثناء منهم على حسب ما بيناه لك وبينه العلماء من قبلنا .
روي في هذا سنن كثيرة وأنا أزيدك على ماقلنا .
قال الله D : { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } .
وقد علم الله D أنهم داخلون وقد دخل النبي A المقبرة فقال : [ السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ] وقال A : [ إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله D ] .
وروي أن رجلا قال عند عبد الله بن مسعود : أنا مؤمن فقال ابن مسعود : أفانت من أهل الجنة ؟ فقال : أرجو فقال ابن مسعود : أفلا الأولى كما وكلت الأخرى ؟ .
وقال رجل لعلقمة : أمؤمن أنت ؟ قال : أرجو إن شاء الله .
قال محمد بن الحسين C تعالى : وهذا مذهب كثير من العلماء وهو مذهب أحمد بن حنبل واحتج أحمد بما ذكرنا واحتج بمساءلة الملكين في القبر للمؤمن ومجاوبتهما له فيقولان له : على اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث يوم القيامة إن شاءالله تعالى ويقال للكافر والمنافق : على شك كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله .
حدثني أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا أبو بكر الأثرم قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل سئل عن الاستثناء في الإيمان ما تقول فيه ؟ .
قال : أما أنا فلا أعيبه قال أبو عبد الله : إذا كان تقول أن الإيمان : قول وعمل واستثناء مخافة واحتياطا ليس كما يقولون على الشك أفما تستثني للعمل قال الله D : { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } فهذا استثناء بغير شك وقال النبي A : [ إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله D ] قال : هذا كله ئقوية للاستثناء في الإيمان .
وحدثنا جعفر الصندلي قال : حدثنا الفضل بن زياد قال : سمعت أبا عبد الله يعجبه الاستثناء في الإيمان ؟ فقال له رجل : إنما الناس رجلان : مؤمن وكافر ؟ فقال أبو عبد الله : فأين قوله تعالى : { وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم } .
قال : سمعت أبا عبد الله يقول : سمعت يحيى بن سعيد يقول : ما أدركت أحدا إلا على الاستثناء .
قال : وسمعت أبا عبد الله مرة أخرى يقول : سمعت يحيى يقول : ما أدركت أحدا من أهل العلم ولا بلغني إلا الاستثناء قال : وسمعت أبا عبد الله يقول : سمعت سفيان بن عيينة إذا سئل : أمؤمن أنت ؟ إن شاء لم يجبه وإن شاء قال : سؤالك إياي بدعة ولا أشك في إيماني ولا يعنف من قال : إن الإيمان ينقص أو قال : إن شاء الله ليس يكرهه وليس بداخل في الشك .
قال : وسمعت أبا عبد الله يقول : إذا قال : أنا مؤمن إن شاء الله فليس هو بشاك قيل له : إن شاء الله : أليس هو شك ؟ فقال : معاذ الله أليس قد قال الله D : { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } وفي علمه أنهم يدخلونه .
وصاحب القبر إذا قيل له : وعليه تبعث إن شاء الله فاي شك ههنا ؟ وقال النبي A : [ وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ] .
وسمعت أبا عبد الله يقول : حدثنا وكيع قال : قال سفيان : الناس عندنا مؤمنون في الأحكام والمواريث ولا ندري كيف هم عند الله D ؟ ونرجو أن نكون كذلك .
وحدثنا ابن مخلد قال : حدثنا أبو داود قال : سمعت أحمد قال : سمعت سفيان يقول : إذا سئل أمؤمن أنت ؟ إن شاء لم يجبه أو يقول له : سؤالك إياي بدعة ولا أشك في إيماني وقال : إن شاء الله ليس يكرهه وليس بداخل في الشك .
قال : وسمعت أحمد قال : سمعت يحيى بن سعيد قال : ما أدركت أحدا من أصحابنا ولا بلغني إلا على الاستثناء وقال : قال يحيى : الإيمان : قول وعمل .
وسمعت أحمد قال : حدثنا وكيع قال : قال سفيان : الناس عندنا مؤمنون في الأحكام والمواريث فنرجو أن نكون كذلك ولا ندري ما حالنا عند الله D .
وسمعت أحمد قال : قال يحيى بن سعيد : كان سفيان ينكر أن يقول : أنا مؤمن .
وحدثنا جعفر الصندلي قال : حدثنا الفضل بن زياد قال : سمعت أبا عبد الله يقول : حدثني مؤمل قال : حدثنا حماد بن زيد قال : سمعت هشاما يذكر قال : كان الحسن و محمد يهابان أن يقولا : مؤمن ويقولان : مسلم .
وحدثنا أبو نصر محمد بن كردي حدثنا أبو بكر المروزي قال : قيل لأبي عبد الله : نقول : نحن المؤمنون ؟ قال : نقول : نحن المسلمون ثم قال أبو عبد الله : الصوم والصلاة والزكاة من الإيمان قيل له : فإن استثنيت في إيماني أكون شاكا ؟ قال : لا .
وحدثنا أبو نصر قال : حدثنا أبو بكر المروزي قال : حدثنا أبو عبد الله قال : حدثني علي بن بحر قال : سمعت جرير بن عبد الحميد يقول : الإيمان قول وعمل قال : وكان الأعمش ومنصور ومغيرة وليث وعطاء بن السائب وإسماعيل بن خالد وعمارة بن القعقاع والعلاء بن المسيب وابن شبرمة وسفيان الثوري وأبو يحيى صاحب الحسن وحمزة الزيات يقولون : نحن مؤمنون إن شاء الله ويعيبون على من لم يستثن .
قال أبو بكر المروزي : سمعت بعض مشيختنا يقول : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : إذا ترك الاستثناء فهو أصل الإرجاء .
حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا محمد بن المثنى أبو موسى الزمي قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا يونس بن الحسين قال : قال رجل عند ابن مسعود : إني مؤمن قال : فقيل له : يا أبا عبد الرحمن يزعم أنه مؤمن ؟ قال : فاسألوه أهو في الجنة أو في النار ؟ قال : فسألوه فقال : الله أعلم فقال : ألا وكلت الأولى كما وكلت الأخرى ؟ .
وحدثنا أيضا أبو بكر قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال : قيل لعلقمة : أمؤمن أنت ؟ قال : أرجو إن شاء الله تعالى .
حدثنا أبو بكر أيضا قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم قال : قال رجل لعلقمة : أمؤمن أنت ؟ قال : أرجو .
[ حدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي A أتى المقبرة فقال : السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ] وذكر الحديث .
قال محمد بن الحسين C تعالى فيما ذكر من هذا الباب مقنع إن شاء الله تعالى