باب ذكر اللفظية ومن يزعم أن هذا القرآن حكاية القرآن الذي في اللوح المحفوظ كذبوا .
قال محمد بن الحسين : احذروا رحمكم الله تعالى هؤلاء الذين يقولون : لفظي بالقرآن مخلوق هذا عند أحمد بن حنبل ومن كان على طريقته : منكر عظيم وقائل هذا مبتدع يجتنب ولا يكلم ولا يجالس ويحذر منه الناس لا يعرف العلماء غير ما تقدم ذكرنا له وهو : أن القرآن كلام الله D غير مخلوق ومن قال : مخلوق فقد كفر ومن قال : القرآن كلام الله D ووقف فهو جهمي ومن قال : لفظي بالقرآن مخلوق جهمي كذا قال أحمد بن حنبل غلظ فيه القول جدا وكذلك من قال : لفظي بالقرآن مخلوق فقد ابتدع وجاء بما لا يعرفه العلماء كذلك قال وغلظ القول فيه أحمد بن حنبل جدا وكذلك من قال : إن هذا القرآن الذي يقرؤه الناس وهو في المصاحف : حكاية لما في اللوح المحفوظ فهذا قول منكر تنكره العلماء .
يقال لقائل هذه المقالة : القرآن يكذبك ويرد قولك والسنة تكذبك وترد قولك .
قال الله D : { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } فأخبرنا الله D أنه إنما يستمع الناس كلام الله D ولم يقل : حكاية كلام الله D .
وقال الله جل وعلا : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } فأخبرنا جل وعلا أن السامع إنما يستمع القرآن ولم يقل تبارك وتعالى : حكاية القرآن .
وقال سبحانه وتعالى : { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين } وقال D : { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم } .
وقال جل وعلا : { قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به } الاية ولم يقل D يستمعون حكاية القرآن ولا قالت الجن : إنا سمعنا حكاية القرآن كما قال من ابتدع بدعة ضلالة وأتى بخلاف الكتاب والسنة وبخلاف قول المؤمنين .
وقال تبارك وتعالى : { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن } .
وهذا في القرآن كثير لمن تدبره .
وقال النبي A : [ خيركم من تعلم القرآن وعلمه ] .
وقال النبي A : [ إن الرجل الذي ليس في جوفه من القرآن شيء كالبيت الخرب ] .
وقال النبي A : [ مثل القرآن مثل الإبل المعقلة إن تعاهدها صاحبها أمسكها وإن تركها ذهبت ] .
وقال A : [ لا تسافروا بالقران إلى أرض العدو ] وفي حديث آخر : [ لا تسافروا بالمصاحف إلى العدو فإني أخاف أن ينالوها ] .
وقال A : [ لاحسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله قرآنا فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ] .
وقال A : [ إن الله D قرأ [ طه ويس ] قبل أن يخلق آدم بألف عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالوا : طوبى لأمة ينزل هذا عليهم وطوبى لألسن تتكلم بهذا وطوبى لأجواف تحمل هذا ] .
وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : تعلموا القرآن واتلوه فإن لكم بكل حرف عشر حسنات وفي السنن مما ذكرناه كثير والحمد لله .
فينبغي للمسلمين أن يتقوا الله D ويتعلموا القرآن ويتعلموا أحكامه فيحلوا حلاله ويحرموا حرامه ويعملوا بمحكمه ويؤمنوا بمتشابهه ولا يماروا فيه ويعلموا أنه كلام الله D غير مخلوق .
فإن عارضهم إنسان جهمي فقال : مخلوق أو قال : القرآن كلام الله D ووقف أو قال : لفظي بالقرآن مخلوق أو قال : هذا القرآن حكاية لما في اللوح المحفوظ فحكمه أن يهجر ولا يكلم ولا يصلى خلفه ويحذر منه .
وعليكم بعد ذلك بالسنن عن رسول الله A وسنة أصحابه رضي الله تعالى عنهم وقول التابعين وقول أئمة المسلمين رحمة الله تعالى عليهم مع ترك المراء والخصومة والجدال في الدين فمن كان على هذا الطريق رجوت له من الله D كل خير .
وسأذكر بعد ذلك ما لا بد منه لمن كان على مذهبه وعلمه وعمل به من معرفة الإيمان وشريعة الإسلام حالا بعد حال والله سبحانه وتعالى الموفق لكل رشاد والمعين عليه ؟ إن شاء الله تعالى ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم .
حدثنا أبو عبد الله جعفر بن إدريس القزويني قال : حدثنا أحمد بن الممتنع بن عبد الله القرشي التيمي قال : حدثنا أبو الفضل صالح بن علي بن يعقوب بن منصور الهاشمي - وكان من وجوه بني هاشم وأهل الجلالة والسبق منهم - قال : حضرت المهتدي بالله أمير المؤمنين رحمة الله تعالى عليه وقد جلس ينظر في أمور المسلمين في دار العامة فنظرت إلى قصص الناس تقرأ عليه من أولها إلى آخرها فيأمر بالتوقيع فيها وإنشاء الكتب لأصحابها ويختم ويرفع إلى صاحبه بين يديه فسرني ذلك وجعلت أنظر إليه فرفع رأسه ونظر إلي فغضضت عنه حتى كان ذلك مني ومنه مرارا ثلاثا إذا نظر إلي غضضت وإذا اشتغل نظرت فقال لي : يا صالح فقلت : لبيك يا أمير المؤمنين وقمت قائما فقال : في نفسك مني شيء تحب أن تقوله ؟ أو قال : تريد أن تقوله فقلت : نعم يا سيدي يا أمير المؤمنين قال لي : عد إلى موضعك فعدت وعاد في النظر حتى إذا قام قال للحاجب : لا يبرح صالح فانصرف الناس ثم أذن لي وقد أهمتني نفسي فدخلت فدعوت له فقال لي : اجلس فجلست فقال : يا صالح تقول لي : ما دار في نفسك أو أقول أنا : ما دار في نفسي أنه دار في نفسك ؟ قلت ؟ يا أمير المؤمنين ما تعزم عليه وما تأمر به فقال : أقول : كأني بك وقد استحسنت ما رأيت منا فقلت أي خليفة خليفتنا إن لم يكن يقول : القرآن مخلوق ؟ فورد على قلبي أمر عظيم وأهمتني نفسي ثم قلت : يا نفس هل تموتين إلا مرة ؟ وهل تموتين قبل أجلك ؟ وهل يجوز الكذب في جد أو هزل ؟ فقلت : والله يا أمير المؤمنين ما دار في نفسي إلا ما قلت فاطرق مليا ثم قال لي : ويحك اسمع مني ما أقول فوالله لتسمعن الحق فسري عني وقلت : يا سيدي ومن أولى بقول الحق منك ؟ وأنت أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين وابن عم سيد المرسلين من الأولين والآخرين فقال لي : ما زلت أقول : إن القرآن مخلوق صدرا من خلافة الواثق حتى أقدم علينا أحمد بن أبي دؤاد شيخا من أهل الشام من أهل أذنة فادخل الشيخ على الواثق مقيدا وهو حبل الوجه تام القامة حسن الشيبة فرأيت الواثق قد استحيى منه ورق له فما زال يدنيه ويقربه حتى قرب منه فسلم الشيخ فأحسن السلام ودعا فأبلغ الدعاء وأوجز فقال له الواثق اجلس .
ثم قال له : ياشيخ ناظر ابن أبي دؤاد على ما يناظرك عليه .
فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين ابن أبي دؤاد يقل ويضيق أو يضعف عن المناظرة فغضب الواثق وعاد مكان إكرامه له غضبا عليه فقال : أبو عبد الله بن أبي دؤاد يضيق أو يقل ويضعف عن مناظرتك أنت ؟ .
فقال له الشيخ : هون عليك يا أمير المؤمنين ما بك وائذن لي في مناظرته .
فقال الواثق : ما دعوتك إلا للمناظرة .
فقال الشيخ : يا أحمد بن أبي دؤاد إلام دعوت الناس ودعوتني إليه ؟ .
فقال : إلى أن تقول : القرآن مخلوق لأن كل شيء دون الله D مخلوق .
فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تحفظ علي ما أقول وعليه ما يقول قال : أفعل .
فقال الشيخ : يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه أواجبة داخلة في عقد الدين فلا يكون الدين كاملا حتى يقال فيه ما قلت ؟ قال : نعم .
فقال الشيخ : يا أحمد أخبرني عن رسول الله A حين بعثه الله D إلى عباده هل أسر رسول الله A شيئا مما أمره الله D به في دينه ؟ قال : لا قال الشيخ : فدعا رسول الله A الأمة إلى مقالتك هذه ؟ فسكت ابن أبي دؤاد فقال الشيخ : تكلم فسكت فالتفت الشيخ إلى الواثق فقال : يا أمير المؤمنين واحدة فقال الواثق : واحدة .
فقال الشيخ : يا أحمد أخبرني عن الله D حين أنزل القرآن على رسول الله A فقال : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } كان الله D الصادق في إكمال دينه أم أنت الصادق في نقصانه فلا يكون الدين كاملا حتى يقال فيه بمقالتك هذه ؟ فسكت ابن أبي دؤاد فقال الشيخ : أجب يا أحمد فلم يجبه فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين اثنتان فقد الواثق : اثنتان .
فقال الشيخ : أخبرني عن مقالتك هذه أعلمها رسول الله A أم جهلها ؟ فقال ابن أبي دؤاد : علمها فقال الشيخ : فدعا الناس إليها ؟ فسكت ابن أبي دؤاد فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين ثلاث فقال الواثق : ثلاث .
فقال الشيخ : يا أحمد فاتسع لرسول الله A إذ علمها كما زعمت ولم يطالب أمته بها ؟ قال : نعم فقال الشيخ : واتسع لأبي بكر الصديق Bه و عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان و علي بن أبي طالب Bهم ؟ فقال ابن أبي دؤاد : نعم فاعرض الشيخ عنه وأقبل على الواثق فقال : يا أمير المؤمنين قد قدمت لك القول أن أحمد يضيق أو يقل أو يضعف عن المناظرة يا أمير المؤمنين إن لم يتسع لك من الإمساك عن هذه .
المقالة ما اتسع لرسول الله A و لأبي بكر ولعمر وعثمان وعلي Bهم فلا وسع الله على من لم يتسع له ما اتسع لهم من ذلك .
فقال الواثق : نعم إنه لم يتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله A و لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي Bهم فلا وسع الله علينا اقطعوا قيد الشيخ فلما قطعوه ضرب الشيخ بيده إلى القيد ليأخذه فجذبه الجلاد عليه فقال الواثق : دع الشيخ ليأخذه فأخذه الشيخ فوضعه في كمه فقال الواثق : لم جابذت عليه ؟ فقال الشيخ : لأني نويت أن أتقدم إلى من أوصي إليه إذا مت : أن يجعله بيني وبين كفني حتى أخاصم هذا الظالم عند الله D يوم القيامة ثم أقول : يا رب سل عبدك هذا لم قيدني وروع أهلي وولدي وإخواني بلا حق أوجب ذلك علي ؟ .
وبكى الشيخ وبكى الواثق فبكينا ثم سأله الواثق أن يجعله في حل وسعة مما قال .
فقال الشيخ : والله يا أمير المؤمنين لقد جعلتك في حل وسعة من أول يوم إكراما لرسول الله A إذ كنت رجلا من أهله .
فقال الواثق : لي إليك حاجة فقال الشيخ : إن كانت ممكنة فعلت .
فقال الواثق : تقيم فينا فينتفع بك فتياننا .
فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين إن ردك إياي الى الموضع الذي أخرجني منه هذا الظالم أنفع لك من مقامي عندك وأخبرك بما في ذلك : أصير إلى أهلي وولدي فاكف دعاءهم عليك فقد خلفتهم على ذلك .
فقال له الوثق : فتقبل منا ما تستعين بها على دهرك .
فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين لاتحل لي أنا عنها غني وذو مرة سوي .
قال : فتسأل حاجتك قال : أو تقضيها يا أمير المؤمنين ؟ قال : نعم .
قال : تخلي سبيلي إلى الثغر الساعة وتأذن لي قال : أذنت لك فسلم الشيخ وخرج .
قال صالح : قال المهتدي بالله رحمة الله تعالى عليه : رجعت عن هذه المقالة منذ ذلك اليوم وأظن الواثق بالله كان قد رجع عنها من ذلك الوقت .
وحدثنا أبو عبد الله القزويني قال : حدثني يحيى بن عبدك القزويني قال : سمعت يحيى بن يوسف الزمي يقول : بينا أنا قائل في بعض بيوت خانات مرو فإذا أنا بهول عظيم قد دخل علي فقلت : من أنت ؟ فقال : ليس تخاف يا أبا زكريا قال : قلت : من أنت ؟ قال : وقمت فتهيأت لقتاله فقال : أنا أبو مرة فقلت : لا حياك الله فقال : لو علمت أنك بهذا البيت لم أدخل وكنت أنزل بيتا آخر وكان هذا منزلي حين آتي خراسان قلت : من أين أتيت به قال : من العراق قلت : وما عملت في العراق قال : خلفت فيها خليفة قلت : ومن هو ؟ قال : بشر المريسي قلت : وإلام يدعو ؟ قال : إلى خلق القرآن قال : وآتي خراسان فاخلف بها خليفة أيضا قلت : إيش تقول في القرآن أنت ؟ قال : أنا وإن كنت شيطانا رجيما أقول : القرآن كلام الله D غير مخلوق .
حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن العباس الطيالسي قال : حدثنا بندار محمد بن بشار .
[ ح ] وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قالا : كنا نقرأ على شيخ ضرير بالبصرة فلما ظهر ببغداد القول بخلق القرآن قال الشيخ : إن لم يكن القرآن مخلوقا فمحا الله تعالى القرآن من صدري فلما سمعنا هذا من قوله تركناه وانصرفنا عنه فلما كان بعد مدة لقيناه فقلنا : يا فلان ما فعل القرآن ؟ قال : ما بقي في صدري منه شيء فقلنا : ولا { قل هو الله أحد } قال : ولا { قل هو الله أحد } إلا أن أسمعها من غيري يقرؤها