باب ذكر مولد رسول الله A ومنشئه إلى الوقت الذي جاءه فيه الوحي .
[ حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا أبو علي الحسين بن علي الصدائي قال : حدثنا محمد بن عبيد السلمي قال : حدثنا عمر بن صبح التميمي عن ثور بن يزيد عن مكحول عن شداد بن أوس قال : بينا رسول الله A يحدثنا على باب الحجر إذ أقبل شيخ من بني عامر وهو مدره قومه وسيدهم من شيخ كبير يتوكأ على عصا فتمثل بين يدي النبي A قائما ونسبه إلى جده فقال : يا ابن عبد المطلب إني نبئت أنك تزعم أنك رسول الله إلى الناس بما أرسل به موسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء ألا وإنك تفوهت بعظيم إنما كانت الأنبياء والخلفاء في بيتين من بيوت إسرائيل فلا أنت من أهل هذا البيت ولا من أهل هذا إنما أنت رجل من العرب ممن كانت تعبد هذه الحجارة والأوثان فما لك والنبوة ؟ ولكن لكل قول حقيقة فانبئني بحقيقة قولك وبدو شأنك قال : فأعجب النبي A بمساءلته فقال : يا أخا بني عامر إن للحديث الذي تسأل عنه نبئا ومجلسا فاجلس فجلس فثنى رجله ثم برك كما يبرك البعير فاستقبله النبي A بالحديث فقال : يا أخا بني عامر إن حقيقة قولي وبدو شأني : أني دعوة أبي إبراهيم وبشر بي أخي عيسى ابن مريم وإني كنت بكر أمي حملتي كما يحمل النساء حتى جعلت تشتكي إلى صواحباتها ثقل ما تجد ثم إن أمي رأت في المنام : أن الذي في بطنها نورا قالت : فجعلت أتبع النور بصري فجعل النور يشق بصري حتى أضاءت لي مشارق الارض ومغاربها ثم إنها ولدتني فنشأت فلما نشأت بغضت إلي أوثان قريش وبغض إلي الشعر وكنت مستوضعا في بني سعد بن بكر فبينما أنا ذات يوم نتبذ من أهلي مع أتراب لي من الصبيان في بطن واد نتقاذف بيننا الجلة إذ أقبل رهط ثلاثة معهم طست من ذهب ملان ثلجا فأخذوني وانطلقوا بي من بين أصحابي وانطلق أصحابي هرابا حتى انتهوا إلى شفير الوادي ثم أقبلوا على الرهط فقالوا : ما رأيكم إلى هذا الغلام ؟ إنه ليس منا هذا من سيد قريش وهو مسترضع فينا من غلام يتيم ليس له أب ولا أم فماذا يرد عليكم قتله ؟ وماذا تصيبون من ذلك ؟ إن كنتم لا بد قاتليه فاختاروا منا أيا شئتم فليأتكم مكانه فاقتلوه ودعوا هذا الغلام فإنه يتيم فلما رأى الصبيان أن القوم لا يحيرون إليهم جوابا انطلقوا هرابا مسرعين إلى الحي يؤذنونهم فيستصرخونهم على القوم فعمد أحدهم فأضجعني على الأرض إضجاعا لطيفا ثم شق ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي وأنا أنظر إليه فما أجد لذلك مسا ثم أخرج أحشاء بطني فغسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها ثم أعادها مكانها ثم قال الثاني منهم لصاحبه : تنح فأدخل يده في جوفي فأخرج قلبي فصدعه وأنا أنظر إليه فأخرج منه مضغة سوداء فألقاها ثم قال بيده - كأنه يتناول شيئا - فإذا بيده خاتم من نور تحار أبصار الناظرين دونه فختم به قلبي ثم أعاده إلى مكانه فامتلأ قلبي نورا فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهرا ثم قال الثالث منهم لصاحبه : تنح فتنحى عني ثم أخذ بيدي فأنهضني من مكاني إنهاضا لطيفا ثم أكبوا علي وضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين عيني ثم قالوا : يا حبيب لن تراع إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عينك ثم قال الأول - الذي شق بطني - زنوه بعشرة من أمته فوزنوني بهم فرجحتهم ثم قال : زنوه بمائة من أمته فوزنوني بهم فرجحتهم ثم قال : زنوه بألف من أمته فوزنوني بهم فرجحتهم فقال : دعوه فلو وزنتموه بأمته كلها لرجحهم فبينا نحن كذلك إذ أنا بالحي قد جاؤوا بحذافيرهم وإذا بأمي - وهي ظئري - أمام الحي تهتف بأعلى صوتها وهي تقول : يا ضعيفاه استضعفت من بين .
أصحابك وقتلت لضعفك فأكبوا علي وضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين عيني وقالوا : حبذا أنت من ضعيف ما أكرمك على الله ثم قالت : يا وحيداه فأكبوا علي وضموني إلى صدورهم وقالوا : حبذا أنت من وحيد وما أنت بوحيد إن الله معك وملائكته والمؤمنين من أهل الأرض ثم قالت ظئري : يا يتيماه فأكبوا علي وضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين عيني وقالوا : حبذا أنت من يتيم ما أكرمك على الله ! فلما بصرت بي أمي - وهي ظئري - قالت : يا بني ما أراك إلا حيا بعد وضمتني إلى حجرها فوالذي نفسي بيده إني لفي حجرها قد ضمتني إليها وإن يدي لفي يد بعضهم وظننت أن القوم يبصرونهم فإذا هم لا يبصرونهم فقال بعض القوم : أصاب هذا الغلام طائف من الجن فاذهبوا به إلى كاهن حتى ينظر إليه ويداويه فقلت : يا هنتاه إني أجد نفسي سليمة وفؤادي صحيحا ليس بي قلبة فقال أبي - وهو زوج ظئري - أما ترون كلامه كلام صحيح ؟ إني أرجو أن لا يكون على ابني بأس فاتفق رأيهم على أن يذهبوا بي إلى الكاهن واحتملوني فذهبوا بي إليه فقصوا عليه قصتي فقال : اسكتوا حتى أسأل الغلام فإنه أعلم بأمره منكم فسألني فقصصت عليه قصتي من أولها إلى آخرها فضمني إليه وقال : يا للعرب يا للعرب اقتلوا هذا الغلام واقتلوني معه واللات والعزى لئن تركتموه وأدرك ليخالفن دينكم ودين آبائكم وليخالفن أمركم ليأتينكم بدين لم تروا مثله فانتزعتني أمي من حجره وقالت : أنت أعته وأجن من ابني هذا ولو علمت أن هذا يكون من قولك ما أتيت به فاطلب لنفسك من يقتلك فإنا غير قاتلي هذا الغلام واحتملوني وأدوني إلى أهلي فأصبحت معسرا بما فعل بي وأصبح أثر الشق ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي كأنه الشراك فذلك يا أخا بني عامر : حقيقة قولي وبدو شأني فقال العامري : أشهد بالله الذي لا إله إلا هو أن أمرك الحق ] وذكر الحديث .
حدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا عبد الله بن شبيب المكي قال : حدثني أحمد بن محمد قال : وجدت في كتاب أبي عن الزهري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عبد الرحمن بن عوف Bه قال : كنت تربا لرسول الله A قال عبد الرحمن : فأخبرتني أمي قالت : لما ولد محمد A ووقع على يدي استهل فسمعت قائلا من ناحية البيت يقول : يرحمك ربك قالت : فلما ألبسته وأضجعته أضاء لي نور حتى رأيت قصور الروم ثم غشيتني ظلمة ورعدة ثم نظرت عن يميني فلم أر شيئا فسمعت قائلا يقول : أين ذهبت به ؟ قال : ذهبت به إلى المغرب قالت : ثم أصابتني رعدة وظلمة قالت : ثم نظرت يساري فلم أر شيئا فسمعت قائلا يقول : أين ذهبت به ؟ قال : ذهبت به إلى المشرق وقال عبد الرحمن : وكان الحديث من شأني حتى بعث الله D رسوله A فكان أول قومه إسلاما .
قال محمد بن الحسين C : وفي هذا الباب أحاديث قد ذكرتها في كتاب فضائله A .
[ حدثنا أبو علي الحسن بن زكريا السكري قال : حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال : حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال : حدثني ابن أبي جهم - مولى لامرأة من بني تميم كانت عند الحارث بن حاطب وكان يقال : مولى الحارث بن حاطب - قال : حدثني من سمع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب Bهما يقول : حدثت عن حليمة بنت الحارث أم رسول الله التي أرضعته : أنها قالت : قدمت مكة في نسوة من بني سعد بن بكر نلتمس بها الرضعاء - في سنة شهباء - فقدمت على أتان لي قمراء كانت أذمت بالركب ومعي صبي لنا وشارف لنا والله ما ننام ليلنا ذلك أجمع مع صبينا ذلك ما يجد في ثدي ما يغنيه ولا في شارفنا ما يغذيه فقدمنا مكة فو الله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله A فإذا قيل : إنه يتيم تركناه وقلنا : ما عسى أن تصنع إلينا أمه ؟ إنما نرجو المعروف من أب الولد فأما أمه فماذا عسى .
أن تصنع إلينا ؟ فوالله ما بقي من صواحباتي امرأة إلا أخذت رضيعا غيري فلما لم أجد غيره قلت لزوجي الحارث بن عبد العزى : والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحباتي ليس معي رضيع لأنطلقن إلى ذلك اليتيم فلأخذنه فقال : لا عليك فذهبت فأخذته فوالله ما أخذته : إلا أني لم أجد غيره فما هو إلا أن أخذته فجئت به رحلي فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي وشرب أخوه حتى روي وقام صاحبي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل فحلب ما شرب وشربت حتى روينا فبتنا بخير ليلة فقال صاحبي : يا حليمة والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة أما ترين ما بتنا به الليلة من الخير حين أخذناه ؟ فلم يزل الله D يزيدنا خيرا ثم خرجنا راجعين إلى بلادنا فوالله لقطعت أتاني الركب حتى ما يتعلق بها حمار حتى إن صواحباتي ليقلن : ويحك يا بنت أبي ذؤيب أهذه أتانك التي خرجت عليها معنا ؟ فأقول : نعم فو الله إنها لهي فيقلن : والله إن لها لشأنا حتى قدمنا أرض بني سعد وما أعلم أرضا من أرض الله D أجدب منها فإن كانت غنمي لتسرح ثم تروح شباعا لبنا فنحلب ما شئنا وما حولنا أحد تبض له شاة بقطرة لبن وإن أغنامهم لتروح جياعا حتى إنهم ليقولون لرعاتهم : انظروا حيث تسرح غنم ابنة أبي ذؤيب فاسرحوا معهم فيسرحون مع غنمي حيث تسرح يريحون أغنامهم جياعا وما فيها قطرة لبن وتروح غنمي شباعا لبنا فنحلب ما شئنا فلم يزل الله D يرينا البركة ونتعرفها حتى بلغ سنتين فكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان فوالله ما بلغ السنتين حتى كان غلاما جفرا فقدمنا به على أمه ونحن أضن شيئا به مما رأينا فيه من البركة فلما رأته أمه قلنا لها : يا ظئر دعينا نرجع بابننا هذه السنة الأخرى فإنا نخشى عليه أوباء مكة فوالله ما زلنا بها حتى قالت : فنعم فسرحته معنا فأقمنا به شهرين أو ثلاثة فبينما هو خلف بيوتنا مع أخ له من الرضاعة في بهم لنا جاءنا أخوه يشتد فقال : أخي ذلك القرشي قد جاءه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه فنجده قائما منتقعا لونه فاعتنقه أبوه وقال : أي بني ما شأنك ؟ قال : جاءني رجلان عليهما ثياب بيض أضجعاني فشقا بطني ثم استخرجا منه شيئا وطرحاه ثم رداه كما كان فرجعنا به معنا فقال أبوه : يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني قد أصيب انطلقي بنا فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر ما نتخوف قالت : فاحتملناه فلم ترع أمه إلا به وقدمنا به عليها فقالت : ما ردكما به ؟ فقد كنتما عليه حريصين فقلنا : لا والله يا ظئر إلا أن الله D قد أدى عنا وقضينا الذي علينا وقلنا : نخشى الأتلاف والأحداث فقلنا : نرده على أهله فقالت : ما ذاك بكما ؟ فأصدقاني شأنكما فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره فقالت : أخشيتما عليه الشيطان ؟ كلا والله ما للشيطان عليه سبيل وإنه لكائن لابني هذا شأن ألا أخبركما خبره ؟ قلنا : بلى قالت : حملت به فما حملت حملا قط أخف منه ورأيت في النوم حين حملت به : كأنه خرج مني نور أضاءت له قصور الشام ثم وقع حين ولدته وقوعا ما يقعه المولود معتمدا على يديه رافعا رأسه إلى السماء فدعاه عنكما ] .
[ حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا عبد الله بن محمد العبسي - أبو بكر - وعثمان ابنا أبي شيبة قالا : حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك Bه : أن رسول الله A أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الصبيان فصرعه فشق عن قطبه فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة ثم قال : هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني ظئره - فقالوا : إن محمدا قد قتل فاستقبلوه - وهو منتقع اللون - قال أنس : قد كنت أرى أثر الخيط في صدره A ]