باب ذكر ما نعت الله D به نبيه محمدا A في كتابه من الشرف العظيم مما تقر به أعين المؤمنين .
قال محمد بن الحسين C تعالى : اعلموا - رحمنا الله وإياكم - أن الله D شرف نبيه A بأعلى شرف ونعته بأحسن النعت ووصفه بأجمل الوصف وأقامه في أعلى المولدين .
أخبرنا مولانا الكريم : أنه بعثه بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا فقال الله D : { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا * وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا } .
وقال D : { إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } .
قال محمد بن الحسين C : فقد حذر A وأنذر وبشر وما قصر .
ثم أخبرنا مولانا الكريم : أن محمدا دعوة أبيه إبراهيم ودعوة أبيه إسماعيل عليهما السلام وبشر به عيسى ابن مريم عليه السلام .
قال الله D : { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم * ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم * ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم } .
قال محمد بن الحسين C : فاستجاب الله D لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فاختص من ذريتهما من أحب وهو محمد A من أشرف قريش نسبا وأعلاها قدرا وأكرمها بيتا وأفضلها عترة فبعثه بشيرا ونذيرا .
وقال D : { وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } .
فأثبت الله D على النصارى ببشارة عيسى ابن مريم عليه السلام لهم بمحمد A .
ثم إن الله جل ذكره : أخبر عن أهل الكتابين اليهود والنصارى : أنهم يجدون صفة محمد A في التوراة والإنجيل وأنه نبي وأوجب عليهم اتباعه ونصرته فقال جل ذكره : { عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون } .
وقال D : { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم } .
وقال D : { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير } .
قال محمد بن الحسين C : فقطع الله D حجج أهل الكتابين بما أخبر عن صفته في كتبهم وأن الذي جاء به محمد A هو النور وهو الحق وأنه يخرجهم به من الظلمات إلى النور وأنه يهديهم به إلى صراط مستقيم .
ثم أخبر الله D : أن الذي يدعو إليه محمد A هو الحق وهو الصراط الهستقيم فأوجب على الخلق : الإنس والجن قبوله وأخبر عن الجن لما سمعوا من رسول الله A ما أمره الله D أن يبلغهم عرفوا أنه الحق وآمنوا به وصدقوا واتبعوه .
فقال جل ذكره : { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم * يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به } .
وقال D : { وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم } .
ثم أخبر D : أنه يظهر دين نبيه A على كل دين خالفه فقال D : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } .
ثم أخبر الله D : أنه لا يتم لأحد الإيمان بالله D وحده حتى يؤمن بالله ورسوله .
ثم أخبر D أن من لم يؤمن بالله وبرسوله : لم يصح له الإيمان فقال جل ذكره : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله } .
وقال D : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون } .
وقال D : { ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا } .
وقال D : { فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير } .
وقال D : { آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير * وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين } .
وقال D : { يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا } .
ثم أعلمنا مولانا الكريم : أن علامة صحة محبة من ادعى محبة الله D : أن يكون محبا لرسوله محمد A متبعا له وإلا لم تصح له المحبة لله D .
قال الله D : { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين } .
وقال D : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم } فجعل الله D محبة رسوله واتباعه علما ودليلا لصحة محبتهم له مع اتباعهم رسوله فيما جاء به وأمر به ونهى عنه .
ثم أخبر D أن من كفر برسوله : فهو كمن كفر بالله D ومن كذب رسوله فقد كذب الله D .
وقال D في قصة المنافقين : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون } .
وقال D : { وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم } .
ثم إن الله D أمر المؤمنين أن لا يرغبوا بأنفسهم عن نفس رسول الله A في جهاد معه والصبر معه على كل مكروه يلحقهم .
فقال D : { ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين } .
ثم إن الله D أقام نبيه A مقام البيان عنه .
فقال D : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } .
وكان مما بينه لأمته : أن الله - جل اسمه - أوجب عليهم الطهارة والصلاة في كتابه ولم يخبرهم بأوقات الصلاة ولا بعدد الركوع ولا بعدد السجود ولا بما يطلب من القراءة فيها وما تحريمها ؟ وما تحليلها ؟ ولا كثير من أحكامها فبين A مراد الله D من كل ذلك .
وكذلك أوجب الزكاة في كتابه ولم يبين : كم في الورق ؟ ولا كم في الذهب ؟ ولا كم في الغنم ؟ ولا كم في الإبل ؟ ولا كم في البقر ؟ ولا كم في الزرع والثمر ؟ فبين النبي A مراد الله D من كل ذلك .
وكذلك الصيام بين ما يحل فيه للصائم وما يحرم عليه فيه .
وكذلك فرض الله D على عباده الحج على من استطاع إليه سبيلا ولم يخبرنا D كيف الإهلال بالحج ؟ ولا ما يلزم المحرم من كثير من الأحكام ؟ فبينه A حالا بعد حال .
وكذلك أحكام الجهاد وكذلك أحكام البيع والشراء .
وكذلك حرم الله D الربا على المسلمين وتوعدهم عليه بعظيم العقاب ولم يبين لهم في الكتاب : كيف الربا ؟ فبينه الرسول A .
وهذا في كثير من الأحكام مما يطول شرحه لم يعقل ما في الكتاب إلا ببيان الرسول A زيادة من الله D لنبيه A فيما أعطاه من الفضائل التي شرفه بها .
ثم فرض على جميع الخلق طاعته وحرم عليهم معصيته وذلك في غير موضع من كتابه فقد قرن طاعة رسوله A إلى طاعته D وأعلمهم أنه من عصى رسول الله فقد عصا الله .
قال D : { قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين } .
وقال D : { واتقوا النار التي أعدت للكافرين * وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون } .
وقال D : { تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين } .
وقال D : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } .
وقال D : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } .
وقال D : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون } .
وقال D : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم } .
وقال تعالى : { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون * ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون * وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون * قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين * وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } .
قال محمد بن الحسين C : هذا في القرآن كثير في نيف وثلاثين موضعا أوجب طاعة رسوله A وقرنها مع طاعته D ثم حذر خلقه مخالفة رسوله A وأن يجعلوا أمر نبيه A - إذا أمرهم بشيء أو نهاهم عن شيء - كسائر الخلق وأعلمهم عظيم ما يلحق من خالفه : من الفتنة التي تلحقه .
فقال D : { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } .
ثم إن الله D أوجب على من حكم عليه النبي A حكما أن لا يكون في نفسه حرج أو ضيق مما حكم به عليه الرسول A بل يسلم لحكمه ويرضى وإلا لم يكن مؤمنا .
فقال D : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } .
فالحرج ههنا : أن لا يشك .
ثم إن الله D أثنى على من رضي بما حكم له النبي A أو حكم عليه ورضي بما أعطاه من الغنيمة من قليل أو كثير وذم من لم يرض .
فقال جل اسمه : { ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون } .
ثم إن الله جل ذكره أخبرنا عن أهل النار - إذا هم دخلوها - كيف يتأسفون ويتحسرون على ترك طاعتهم لله D ولرسوله إذ لم يطيعوا الله ورسوله يوم كانوا في الحياة الدنيا ميسرا لهم طاعة الله ورسوله فندموا حيث لم ينفعهم الندم وأسفوا حيث لم ينفعهم الأسف فقال جل ذكره : { يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا * وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا } .
وقال الله D : { ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا } إلى قوله : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا } .
قال محمد بن الحسين C : ألا ترون - رحمكم الله - كيف شرف الله نبينا محمدا A في كل حال ؟ يزيده شرفا إلى شرف في الدنيا والآخرة ثم اعلموا : يا أمة محمد يا مؤمنين أن الله أوجب على جميع الخلق أن يعظموا قدر نبيه E بالتوقير له والتعظيم وأن لا يرفعوا أصواتهم فوق صوته ولا يجهروا له في المخاطبة كجهر بعضهم لبعض بل يخفضوا أصواتهم عند صوته كل ذلك إجلالا له وأعلمهم أن من خالف ما أمر الله به من ذلك التعظيم لرسوله : أنه يحبط عمله وهو لا يشعر .
فقال جل ذكره : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم * يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } .
ثم وعد جل ذكره من قبل من الله D ما أمر به في رسوله : من خفض الصوت والتوقير له : المغفرة مع الأجر العظيم فقال جل ذكره : { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم } .
وقال D : { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } وقال D : { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون } .
كل ذلك يحذر الله تعالى عباده مخالفة رسوله A ويعظم قدره عندهم .
ثم أمر جل ذكره خلقه إذا هم أرادوا أن يناجوا النبي A بشيء مما لهم فيه حظ : أن لا يناجوه حتى يقدموا بين يدي نجواهم صدقة وكان الرجل إذا أراد أن يناجيه بشيء تصدق بصدقة كل ذلك تعظيما للرسول وشرفا له فلما فعلوا ذلك ضاقت على بعضهم الصدقة فاحتاج إلى مناجاته فتوقف عن مناجاته فخفف الله D ذلك على المؤمنين رأفة منه بهم فقال جل ذكره في ابتداء الأمر : { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر } هذا لمن قدر على الصدقة .
ثم قال تفضلا على من لم يجد صدقة : { فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم } .
ثم قال تفضلا على الجميع على من قدر على الصدقة وعلى من لم يقدر فقال D : { أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون } .
فخفف عنهم الصدقة وأمرهم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والطاعة لله D ولرسوله A .
ثم إن الله جل ذكره أعلم جميع خلقه وأعلم نبيه E : أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأنه قد تمت نعمة الله D على نبيه بأن هداه إلى الصراط المستقيم وأعلمه أنه ينصره نصرا عزيزا فقال جل ذكره : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما * وينصرك الله نصرا عزيزا } .
ثم أخبر الله D أن الذين يبايعون رسول الله A فإنما يبايعون الله D وكل ذلك تعظيما لقدر محمد A عند ربه D فقال جل ذكره : { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما } .
ثم أخبرنا D برضائه عنهم إذ بايعوا نبيه A وصدقوا في بيعته بقلوبهم فقال D : { لقد B المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا } .
ثم أمر الله جل ذكره المؤمنين أن يتأسوا في أمورهم برسول الله A فقال جل ذكره : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا } .
ثم أوجب الله D على المؤمنين أن ينصحوا لله D ثم أعلمهم أن من نصح لله فلينصح لرسوله وقرنهما جميعا ولم يفرق بينهما فقال D : { ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم } .
ثم أخبرنا الله D أنه من خان رسول الله A فهو كمن خان الله D فقال : { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } .
ثم حذر الخلق من إيذاء رسول الله A لا يؤذوه في حياته ولا بعد موته وأخبر أن المؤذي لرسول الله A كمن آذى الله D وأخبر أن المؤذي لله ولرسوله مستحق اللعنة في الدنيا والآخرة فقال جل ذكره : { وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما } .
وقال D : { والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم } .
وقال D : { إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا } .
ثم أخبرنا الله D : أنه من حاد الرسول بالعداوة فقد حاد الله D فقال الله D : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } .
وقال D : { ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم } .
ثم أعلمنا مولانا الكريم أن النبي A أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأنه إذا أمر فيهم بأمر فعليهم قبول ما أمر به ولا اختيار لهم إلا ما اختار رسولهم لهم : في أهليهم وفي أموالهم وفي أولادهم فقال جل ذكره : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } .
وقال D : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا } .
ثم إن الله D رفع قدر نبيه A وزاده شرفا إلى شرفه وفضله على سائر خلقه بأن حرم أزواجه على جميع العالمين أن يتزوجوهن بعد موته وكذلك إذا طلق امرأة من نسائه دخل بها أو لم يدخل بها فقد حرمت على كل أحد أن يتزوجها لأنهن أمهات المؤمنين .
فقد خصه الله الكريم بكل خلق شريف عظيم .
ثم فرض على خلقه أن يصلوا على رسول الله A وأعلمهم أنه يصلي عليه هو وملائكته شرفا له .
قال D : { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } .
فصلى الله عليه وعلى آله أجمعين في الليل والنهار صلاة له فيها رضى ولنا بها مغفرة من الله D ورحمة إن شاء الله وعلى آله الطيبين ولا حرمنا الله النظر إليه وحشرنا على سنته والاتباع لما أمر والانتهاء عما نهى .
واعلموا - رحمنا الله وإياكم - لو أن مصليا صلى صلاة فلم يصل على النبي A فيها في تشهده الأخير وجب عليه إعادة الصلاة .
واعلموا رحمكم الله أن جميع ما نهى عنه النبي A فحرام على الناس مخالفته والنهي على التحريم حتى يأتي عنه دلالة تدل على أنه نهى عنه لمعنى دون التحريم وإلا فنهيه على التحريم بجميع ما نهى عنه قال الله D : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } .
قال محمد بن الحسين C : فهذا الذي حضرني ذكره مما شرفه الله D به في القرآن فذكرت منه ما فيه بلاغ لمن عقل .
وأنا أذكر بعد هذا مما شرفه الله D به ما جاءت به السنن عنه والآثار عن صحابته حالا بعد حال مما يقر الله به أعين المؤمنين ويزدادوا بها إيمانا إلى إيمانهم ومحبة لرسول الله A وتعظيما له والله الموفق لذلك والمعين عليه