(17) " فألقى عصاد " حينئذ موسى " فاذا هي ثعبان مبين " وهي الحية العظيمة، ومنه المثعب وهو المجرى الواسع، وانثعب الماء انثعابا إذا جرى باتساع، ومنه الثعبان لانه يجري باتساع لعظمه. وفى قلب العصا حية دلالتان: إحداهما - دلالة على الله تعالى، لانه مما لا يقدر عليه إلا هو، وليس مما يلتبس بايجاب الطبائع، لانه اختراع، للانقلاب في الحال. والثاني - دلالة على النبوة بموافقته الدعوة مع رجوعها إلى حالتها الاولى لما قبض عليها. وقيل: الثعبان الحية الذكر، ووصفه تعالى العصا - ههنا - بأنها صارت مثل الثعبان، لا ينافي قوله " كأنها جان " من وجوه: احدها - انه تعالى لم يقل، فاذا هي جان، كما وصفها بأنها ثعبان، وانما شبهها بالجان، ولا يجوز أن تكون مثله على كل حال. والثاني - انه وصفها بالثعبان في عظمها، وبالجان في سرعة حركتها، فكأنها مع كبرها في صفة الجان لسرعة الحركة، وذلك أبلغ في الاعجاز. وثالثها - انه أراد أنها صارت مثل الجان في أول حالها، ثم تدرجت إلى ان صارت مثل الثعبان، وذلك ايضا أبلغ في باب الاعجاز. ورابعها - ان الحالين مختلفان، لان احداهما كانت حين ألقى موسى فصارت العصا كالثعبان، والحالة الاخرى حين أوحى الله اليه وناداه من الشجرة. ومعنى (مبين) قال ابن عباس: انه ثعبان لا شبهة فيه. وقيل: معناه مبين وجه الحجة به. وروي أنها غرزت ذنبها في الارض ورفعت رأسها نحو الميل إلى السماء، ثم انحطت فجعلت رأس فرعون بين نابيها، وجعلت تقول: مرني بما شئت،