(538) قرأأهل الحجاز، وروح " برسالتي " على التوحيد. الباقون " برسالاتي " على الجمع. والرسالة تجري مجرى المصدر فتفرد في موضع الجمع، وإن لم يكن المصدر من (أرسل) يدلك على أنه جار مجراه قول الاعشى: ففادك بالخيل أرض العدو * وجذعانها كلقيطة العجم (1) فاعماله إياها إعمال المصدر بذلك على أنه يجري مجراه، والمصدر قد يقع لفظ الواحد فيه والمراد به الكثرة، وكان المعنى على الجمع لانه مرسل لضروب من الرسالة، والمصادر قد تجمع مثل الحلوم والالباب. وقال تعالى " إن أنكر الاصوات لصوت الحمير " (2) فجمع الاصوات لما أريد بها أجناس مختلفة صوت الحمار بعضها، فأفرد صوت الحمار، وإن كان المراد به الكثرة، لانه صوت واحد. أخبر الله تعالى في هذه الاية أنه نادى موسى (ع) وقال له " ياموسى إني اصطفيتك " ومعنى الاصطفاء استخلاص الصفوة لمالها من الفضيلة. والفضائل على وجوه كثيرة: أجلها قبول الاخلاق الكريمة والافعال الجميلة، ولهذا المعنى اصطفي موسى (ع) حتى استحق الرسالة، وأن يكلم بتلقين الحكمة. وقوله تعالى " برسالاتي وبكلامي " فيه بيان مابه اصطفاه وهو أن جعله نبيا وخصه بكلامه بلاواسطة، وهما نعمتان عظيمتان منه تعالى عليه، فلذلك امتن بهما عليه، وإنما صار في كلام الجليل نعمة على المكلم، لانه كلمه بتعليم الحكمة من غير واسطة بينه وبين موسى، ومن أخذ العلم عن العالم المعظم كان أجل رتبة، ولو كلم إنسانا بالانتهار والاستخفاف، لكان نقمة عليه بالضد من تلك الحال. وقوله تعالى " فخذ ماآتيتك " معناه تناول ماأعطيتك " وكن من الشاكرين " يعني من المعترفين بنعمتي، والشكر هو الاعتراف بالنعمة مع القيام بحقها على حسب مرتبتها، فاذا كانت من أعظم النعم، وجب أن تقابل ـــــــــــــــــــــــ (1) ديوانه: 30 القصيدة 3. (2) سورة 31 لقمان آية 19.