(25) وهوؤلاء هم الناس ورسالته شاملة لأفرادهم، مستغرقة لأجناسهم دون اختصاص بقوم عن قوم، ولا أمة دون أمة، يعضده قوله تعالى: ( وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً ) سبأ / 28. فإذا جمعنا له قوله تعالى: ( وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلاَّ رَحمَةً لِّلعالَمِينَ " 107 " ) الأنبياء / 107، خلص لنا أنه رسول البشرية، وما إرساله إلا رحمة للعالمين، وهذا الارسال يحمل في طياته ملامح البشارة الرضية المرضية، وصرخة النذارة الهادرة المدوية، ذلك ما يعلنه قوله تعالى: ( إِنَّآ أَرسَلنَاكَ بِالحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً ) البقرة / 119. ويؤكده قوله تعالى: ( يَأَيُّهاَ آلنَّبِيُّ إِنَّا أَرسَلنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِراً وَنَذِيراً " 45 " ) الأحزاب / 45. وهنا تضاف الشهادة إلى البشارة والنذارة لتتم حلقة الوصل العالمية في التدرج البياني ليصل إلى ذروته في التبليغ بقوله تعالى: ( وَأَرسَلنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللهِ شَهيداً ) النساء / 79. وقد وضع الله تعالى على الناس ذاته القدسية شهيداً على هذا الارسال العالمي. ثـانياً: والمنطلق البارز في تشخيص عالمية القرآن نصاً ومضموناً تأكيد القرآن على خطاب الناس ـ كل الناس ـ في تعليماته الإلهية ؛ وهذا المنطلق يتحدث فيه القرآن إلى الناس في مختلف شؤونهم، ويدعوهم بعامة إلى الأخذ بالأصلح من الأنظمة ازاء تدوير الواقع البشري المتقلب ليقف به على مرفأ الأمان، ويستقر مستوياً بشاطيء الخلاص، وأول ما يدعوهم إليه سنن التوحيد المطلق في ظلال ملكوته قال تعالى: ( يَأَيُهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ) البقرة / 21، يدعم ذلك الملحظ بالكتاب الذي أخرج كل الناس إلى النور.. ( الر كِتاَبٌ أَنزَلنَهُ إِلَيكَ لِتُخرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) إبراهيم / 1. ويوجه هؤلاء الناس نحو الله بإعتبارهم مضطرين له، فقراء إليه، وهو في غنى وعز ومنعة عنهم، يُحمد بغناه، ويعبد لآياته: ( يَأَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلىَ اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِىُّ الحَمِيدُ " 15 " ) فاطر / 15. وإذا كان الناس بهذه الفاقة، محتاجين ولا يحتاج إليهم، فحري بهم أن يتجهوا نحو الله في الشؤون والشجون والآمال، ولا يتكلوا على الأحلام والأماني، فوعد الله حق، ووعد غيره الغرور. قال تعالى: ( يَأَيُّهاَ النَّاسُ إِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا ) فاطر / 5، ولا يقف القرآن عند هذا الحد في تذكير الناس وتحذيرهم، وتقويمهم ومتابعتهم، بل يتسع في