(23) ما برح القرآن العظيم يتبوأ القمة الشامخة في حياة الانسانية، وما زالت تعليماته الهادفة تنطلق مع الانسان في مسيرته الواعية، فهو نبع ثرٌّ من المعارف لا يغور، وهو ألقٌ حيٌّ من الفضائل لا يخبو، وهو يجمع إلى عمق النهج الديني أروع مظاهر النهج الفني، فيلتقي هذان الملحظان بقدر يعجز معه فقه البشر على أن يأتي بشيء من مثله، وكلما تقدمت الحضارة شوطاً في المعرفة والوعي أدركت في القرآن ما لا يدرك في سواه، ذلك أنه كلام الله المنزل على نبيه المرسل. والمتخصصون في علوم القرآن وعوالم التأويل وحقائق التفسير أولئك وحدهم الذي يصح لهم فنياً خوض غمار هذا البحر المتلاطم الأمواج، فيغوصون إلى أعماقه الرهيبة ملتقطين غرر جواهره، ومكتشفين كنوزه الثمينة ومع مسيرة الاجيال المتحررة يتبلور الجديد النابض من عطاء القرآن، ويتمحور المجهول في كشوفه الابداعية، فتتـقاطر الأسرار الإلهية زاخرة بالمثل العليا. القرآن كتاب هداية وتشريع لا شك في هذا، ولكنه كتاب استقراء لمجاهيل الكون، وأثباج الطبيعة، ومفاوز الفضاء، ومسالك ما تحت الأرض، وهو أيضاً المصدر الحقيقي الدقيق لتأريخ الديانات السماوية، وحياة الرسل والأنبياء والشهداء والصديقين، وهو كذلك النموذج الأرقى في استيعاب مشكلات الأزمنة المتناقضة بين السلب والايجاب، يجد حلولها، ويوفر علاجها. هذا المنظور الرائع للقرآن يوحي بعالمية القرآن، وهذا الفهم الرصين لمناخ القرآن يقضي بإنسانية رسالته بعيداً عن النظرة الاقليمية الضيقة، وهذا