( 12 ) لقوله تعالى ( إنا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون * )(1) . وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا . كان هذا الجهد المتميز قد بدأه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالذات ، فكان الأثر مصانا ، والتنزيل ، كما هو ـ لا زيادة فيه ولا نقصان , والكتاب في سلامة بكل تفصيلاته التدوينية والجمعية والشكلية (2) . وبدأت مدارس التفسير الأولى في كل من مكة والمدينة والكوفة والبصرة ، ترفد العالم الإسلامي بسيل من المعارف لا ينضب ، وتنير أمام الدارسين الدرب بمصابيح من الهداية لا تخبو . وكان الأئمة والصحابة والتابعون ومن اتبعهم بإحسان ، يعبّدون الطريق بين يدي المتعلمين والباحثين والمصنفين ، حتى اتسع مجال التفسير ، وتعدد منهج التأويل ، وكثر طلاب العلم ، وأخذ كل بمبادرة التّحصيل ، فوضح السبيل ، وانتشرت الثقافات(3) . وكان وراء هؤلاء جهابذة اللغة ، وفحول العربية يحققون ويتتبّعون ، غير عابئين بثقل الأمانة وفداحة الأمر ، مشمرين السواعد لا يعرفون لينا ولا هوادة ، متناثرين حلقات وجماعات وأفرادا ، يسددون الخطى ، ويباركون السعي ، فبين مستشهد بالموروث المثلي عند العرب ، وبين منظّر بالشعر الجاهلي ، وبين مقتنص للشوارد والأوابد من كلمات القوم وحكمهم ، وبين متنقل في الحواضر والبوادي والقصبات ومساقط المياه ، يسأل ويدون ، ويصنف ويستجمع ، ويقارن ويقعّد ، كل ذلك بهدف واحد هو الاعتداد بالقرآن وتراثيته ، فضلا عن قدسيته وعظمته : كونه كتاب هداية وتشريع ، ودستور السماء في الأرض الى يوم يبعثون . كان ما أسلفنا موروثا حضاريا في القرنين الأول والثاني من الهجرة النبوية المباركة ، حتى إذا أطل القرن الثالث وجدنا التوجه منصبا حول لغة ____________ (1) الحجر : 9 . (2) ظ : المؤلف ، تاريخ القرآن ، الفصول : جمع القرآن ، نزول القرآن ، سلامة القرآن . الدار العالمية ، بيروت ، 1983 . (3) ظ : المؤلف ، المبادئ العامة لتفسير القرآن الكريم ، مراحل التفسير : 131 ـ 141 .