( 7 ) إنّ هذه الميزة (البعد اللا متناهي للقرآن) لم تكن أمراً خفياً على بلغاء العرب في صدر الرسالة، وهذا هو الوليد بن المغيرة ريحانة العرب، يشيد بالقرآن ويصفه بقوله: واللّه لقد سمعت من محمد كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وانّ له لحلاوة، وانّ عليه لطلاوة، وانّ أعلاه لمثمر، وانّ أسفله لمغدق، وانّه ليعلو وما يعلى عليه.(1) إنّه سبحانه خصَّ نبيّه بتلك المعجزة الخالدة، وما هذا إلاّ لأنّ الدين الخالد يستدعي معجزة خالدة، ودليلاً وبرهاناً أبدياً لا يختص بعصر دون عصر، والنبيـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وإن جاء بمعاجز ودلائل باهرة لم ترها عيون الأجيال المتعاقبة ولكن عوضهم اللّه سبحانه بمعجزة هي كشجرة مثمرة تعطي أُكلها كلّ حين بإذن ربّها، وينتفع كلّ جيل من ثمارها حسب حاجاته، وإلى هذا يشير الإمام علي بن موسى الرضا عليمها السَّلام حين سأله السائل، وقال: ما بال القرآن لا يزداد عند النشر والدرس إلاّغضاضة؟ فقال الإمام: "إنّ اللّه تعالى لم يجعله لزمان دون زمان، ولا لناس دون ناس، فهو في كلّ زمان جديد، وعند كلّ قوم غضٌّ إلى يوم القيامة".(2) اهتمام المسلمين بالكتاب العزيز ارتحل النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وترك بين الأُمة تركتين ثمينتين ، إحداهما: الكتاب، والأُخرى: العترة. وقد أكبّ المسلمون بعد رحيله على قراءة القرآن وتجويده وكتابته ونشره بين الأُمم.وأسّسوا علوماً كثيرة خدموا بها القرآن الكريم، كما أنّهم وراء ذلك اهتموا ــــــــــــــــــــــــــــ 1 .مجمع البيان:5/387، طبع صيدا، وقد سقط عن النسخة لفظة "عليه" من قوله: "وما يعلى". 2 .البرهان في تفسير القرآن ، للسيد البحراني: 1/28.