( 627 ) يمكن أن يقال: انّ اللّه سبحانه أدّب رسوله فأحسن تأديبه وعلّمه مصالح الأحكام ومفاسدها وأوقفه على ملاكاتها ومناطاتها، ولما كانت الأحكام تابعة لمصالح ومفاسد كامنة في متعلّقاتها، وكان النبي بتعليم منه سبحانه واقفاً على المصالح والمفاسد على اختلاف درجاتها ومراتبها كان له أن ينص على أحكامه سبحانه من طريق الوقوف على عللها وملاكاتها، ولا يكون الاهتداء إلى أحكامه سبحانه من طريق التعرّف على عللها بأقصر من الطرق الأُخر التي يقف بها النبي على حلاله وحرامه، وإلى هذا يشير الإمام أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ بقوله: "عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية، فإنّ رواة العلم كثير ورعاته قليل".(1) غير أنّ اهتداءه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ إلى الأحكام وتنصيصه بها من هذا الطريق قليل جداً لا يتجاوز عما ذكرناه، وبذلك يعلم حال الأئمّة المعصومين ـ عليهم السَّلام ـ في هذا المورد . وقد يجاب عنه أنّ عمل الرسول لم يكن في هاتيك الموارد سوى مجرّد طلب وقد نفذ اللّه طلبه، لا أنّه قام بنفسه بتشريع وتقنين، ويشير إلى ذلك قوله: "فأجاز اللّه عزّ وجل له ذلك" . ولو أنّ النبي كان يمتلك زمام التشريع وكان قد فوّض إليه أمر التقنين ـ على نحو ما تفيده كلمة التفويض(2) ـ إذن لما احتاج إلى إذنه وإجازته المجدّدة، ولما كان للجملة المذكورة أي معنى. *** ــــــــــــــــــــــــــــ 1 . نهج البلاغة: الخطبة 234 طبعة محمد عبده. 2 . أي أنّ اللّه فوض هذا الحق إلى رسول اللّه واعتزل هو ليفعل النبي ما يشاء .