( 49 ) وفي هذه الصورة لا منافاة بين فطرية الاعتقاد بأصل وجود اللّه والاعتقاد بوحدانيته فطرياً، لأنّ كل ذلك يندرج تحت إطار "التعاليم الدينية" على السواء. 2. وحتى لو أغمضنا النظر عن هذا الجواب وقصرنا النظر على آيات راكبي الفلك، فإنّ الاعتراض لن يصح في موردها أيضاً. وذلك لأنّ المشركين رغم اعتقادهم باللّه ،فإنَّهم ما كانوا يعبدون ـ في الأوقات الاعتيادية ـ إلاّ أوثانهم خاصة، فلم يكن لديهم في تلك الأحيان أي توجه إلى اللّه أبداً، بينما كان هذا الأمر ينعكس تماماً عند مواجهة الأخطار والشدائد فكانوا يتوجهون إلى اللّه وحده، يعبدونه وحده، ويتضرعون إليه وحده، وأمّا الأصنام فكانت تسلم إلى يد الإهمال والنسيان. من هذا الأمر يمكن استنباط الحقيقة التالية، وهي أنّه كما أنّ وحدانية اللّه أمر فطري كذلك الاعتقاد بأصل وجوده فطري أيضاً. لأنّ المشرك ـ كما لاحظنا ـ لم يتوجه في الشدائد إلاّ إلى اللّه الذي كان ينسى وجوده وصفته في الحالات الاعتيادية نسياناً مطلقاً وكأنّ اللّه لم يكن. ولا ريب أنّ هذه الالتفاتة بعد تلك الغفلة الشاملة للذات أيضاً، علامة أنّ الذات والصفة، ونعني ذات اللّه ووحدانيته كلاهما أمران فطريان. وبعبارة أُخرى: إذا كان الاعتقاد بصفة من صفات اللّه فطرياً فمن الأحرى أن يكون"أصل الاعتقاد بوجوده" كذلك أمراً فطرياً لدى الإنسان، ولذلك فإنّ الآيات المذكورة حتى إذا كانت تعني فطرية التوحيد ـ حسبما ادّعوا ـ فإنّها تعني بالضرورة والأولوية فطرية الإيمان بوجود اللّه.