( 17 ) وعلى هذا فالمثل بهذا المعنى غير موجود في القرآن الكريم، لما ذكرنا من أنّ قوام الاَمثال هو تداولها على الاَلسن وسريانها بين الشعوب، وهذه الميزة غير متوفرة في الآيات القرآنية. كيف وقد أسماه سبحانه مثلاً عند النزول قبل أن يعيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقرأها للناس ويدور على الاَلسن، فلا مناص من تفسير المثل في القرآن بمعنى آخر، وهو التمثيل القياسي الذي تعرّض إليه علماء البلاغة في علم البيان وهو قائم بالتشبيه والاستعارة والكناية والمجاز، وقد سمّاه القزويني "في تلخيص المفتاح" المجاز المركب وقال: إنّه اللفظ المركب المستعمل فيما شُبّه بمعناه الاَصلى تشبيه التمثيل للمبالغة في التشبيه، ثمّ مثّل بما كتب يزيد بن وليد إلى مروان بن محمد حين تلكأ عن بيعته: أمّا بعد، فإنّي أراك تقدّم رجلاً وتوَخّر أُخرى، فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيّهما شئت، والسلام. (1) فلهذا التمثيل من المكانة ما ليس له لو قصد المعنى بلفظه الخاص، حتى أنّه لو قال مثلاً: بلغنى تلكّوَك عن بيعتى، فإذا أتاك كتابى هذا فبايع أو لا، لم يكن لهذا اللفظ من المعنى بالتمثيل، ما لهذا. فعامة ما ورد في القرآن الكريم من الاَمثال فهو من قبيل التمثيل لا المثال المصطلح. ثمّ إنّ الفرق بين التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز أمر واضح لا حاجة لاِطناب الكلام فيه، وقد بيّنه علماء البلاغة في علم البيان، كما طرحه أخيراً ____________ 1 ـ الاِيضاح:304؛ التلخيص:322.