( 14 ) يتابعه فيما يقتضيه، ويشايعه إلى ما لا يرتضيه، ولذلك شاعت الاَمثال في الكتب الاِلهية والكلمات النبوية، وذاعت في عبارات البلغاء، وإشارات الحكماء. إن التمثيل ألطف ذريعة إلى تسخير الوهم للعقل واستنزاله من مقا الاستعصاء عليه، وأقوى وسيلة إلى تفهيم الجاهل الغبىّ، وقمع سورة الجامح الاَبىّ، كيف لا، وهو رفع الحجاب عن وجوه المعقولات الخفية، وإبرازها لها في معرض المحسوسات الجلية، وإبداء للمنكر في صورة المعروف، وإظهار للوحشي في هيئة المألوف. (1) ولعلّ في هذه الكلمات غنى وكفاية فلا نطيل الكلام، غير انّه يجب التنبيه على نكتة، وهي أن السيوطى نقل في "المزهر" عن أبى عبيد أنّه قال: الاَمثال حكمة العرب في الجاهلية والاِسلام وبها كانت تعارض كلامها فتبلغ بها ما حاولت من حاجاتها في المنطق بكناية. (2) ولا يخفى أنّ الاَمثال ليست من خصائص العرب فحسب ، بل لكلّ قوم أمثال وحكم يقرّبون بها مقاصدهم إلى إفهام المخاطبين ويبلغون بها حاجاتهم، وربما يشترك مَثَلٌ واحد بين أقوام مختلفة، ويصبح من الاَمثال العالمية، وربما تبلغ روعة المثل بمكان يقف الشاعر أمامه مبهوراً فيصب مضمونه في قالب شعري. روى الطبري عن مهلّب بن أبي صفرة، قال: دعا المهلَّب حبيباً ومن حضره من ولده، ودعا بسهام فحزمت، وقال: أترونكم كاسريها مجتمعة؟ قالوا: لا، قال: أفترونكم كاسريها متفرقة؟ قالوا: نعم، قال: فهكذا الجماعة. (3) وليس المهلب أوّل من ساق هذا المثل على لسانه، فقد سبقه غيره إليه. ____________ 1 ـ هامش تفسير الفخر الرازي:1|156، المطبعة الخيرية، ط الا َُولى، مصر ـ 1308هـ. 2 ـ المزهر:1|288. 3 ـ تاريخ الطبري: حوادث سنة 82 هـ .